الفصل 14 من رواية الابنة المزيفة


" اكثر ما يألمنا ان نجد الشخص الصحيح في الوقت الخاطئ  " 

لقد حبك اللعبة بنفسه ، لا يعقل ان تنقلب عليه بهذه الطريقة ، لقد خطط بدقة لكل شيء ، احضر فتاة لتمثل دور ابنته ، قام بتزييف كل شيء حولها ، و الان تظهر له فتاة تظهر عليها كل الاشارات التي تقول انها ابنته الحقيقية ، حسنا ليراجع ما حدث قديما في رأسه ، عندما وصل الى ذلك المستشفى بعد تلك الحادثة اخبروه ان  ابنته قد انكسر على وجهها زجاج السيارة لذلك ملامحها مشوهة ، اروه جثة مشوهة ، كان صدمته في تلك اللحظة اعظم من أن يكذب ما يقولونه ،صدق بالفعل ما قيل له ن و قام بالاجراءات المناسبة ، لكن هل تحقق من انها الحقيقة ، لم يفعل بالتاكيد ، الان تدور في رأسه العديد من الافكار ، لقد لاحظ ان صديقه قد هاتفه كثير في صباح ذلك اليوم ، لكن ذهنه منشغل كثير بماريا تلك ... لقد احتجزها في أحد البنايات و أمر أن يتم عمل فحص DNA كي يعرف الحقيقة هذه المرة....

لم يقوى على سؤالها عن هويتها الحقيقية ، أحس انه اضعف من أن يواجهها لذلك اختار الطريقة التي تحفظ له كرامته المزعومة ، لكنه في داخله كان خائفا ، كان خائفا ان يتضح له انها ابنته الحقيقية ، لم يكن يدري بأي وجه سوف يواجهها ، كيف سيفسر لها ضياعها من بين يديه عشر سنوات ، كان اجبن من كل هذا ، لذلك قرر أن يقوم بذلك الفحص النووي كما يدعونه من دون ان تعلم تلك الفتاة أي شيء ، و كذلك سوف يبحث في ماضيها قليلا  ليرى من تكون تلك الفتاة فعلا ... 

كان منهمكا في تفكيره ذلك ، حين شعر بلمستها تلك على عنقه ، لتسأله ليلة بلطف : بما تفكر ؟ 

نظر لها بحيرة ، لم يدر ما يقول ، لم يكن يوما جيدا في التعبير عن مشاعره ، حتى كاميلا لم تكن تهتم بذلك القدر بمشاعره ، حاول ان يجد بعض الكلمات لكنه لم يستطع فقال باقتضاب : مجرد عمل ، لا تشغلي نفسك ...

امسكت بكف يده قائلة له بتأثر  : ربما لا افهم شيئا عن عالمك الغريب هذا ، ربما انا مجرد ممثلة اتيت لأقدم دورا معينا و اعود ادراجي لكنك منحتني تجربة لن انساها طيلة حياتي ، جعلتني اتذوق طعم الحياة للمرة الاولى و ربما الاخيرة ، و جعلتني اكتشف جوانب من نفسي ، قد تبدوا قاسيا من الخارج لكن هنا 

اشارت بيدها الى قلبه  :  هنا يقبع جرح لازال يألمك بشدة كلما لمسته ، 

سألها برجاء : و لما لا يختفي ذلك الجرح ، ألم يمر ما يكفي من الوقت ؟ 

ابتسمت بلطف : لن يختفي ابدا ، لأنك لم تمنحه فرصة حتى ليشفى ، فكلما اقترب من الشفاء لمسته بحجة الاطمئنان عليه 

ربت على كف يدها قائلا : كيف وجدت والدك ؟ 

ردت بحزن : كما تركته ، بعض الاشياء لا تتغير 

ابتسم لها و كانت ابتسامته النادرة مصدر سعادتها : و بعض الاشياء تتغير ، لقد تغير الكثير منذ ان دخلتي حياتي ... 

لم تعقب على كلامه بل ، سكتت بقيت فقط تتأمل ملامحه الوسيمة ، ابتسامته الرائعة كانت دعوة شهية لقبلة ، و احتضانه لكفيها كانت دعوة أخرى لعناق ، و لاول مرة بادرت هي و اقتربت ... 

كانت قبلتها له مجرد قبلة لطيفة لفتاة ليس لها خبرة جيدة في التقبيل ، لكنها كانت تكفي كل تفجر كل خلية في جسده من الاثارة 

نهضت من امامه واختفت سريعا بعد ان احست بنبضات قلبها تتسارع ، بل يكاد قلبها يخرج من اضلعها و يرتمي في احضانه 

هربت بعد بعثرت رجولته بقبلتها البريئة تلك ، أي فتنة مهلكة تمشي على الارض تلك الفتاة ، لقد استطاعت في بعض دقائق فقط أن تمحي كل حزنه و خوفه و قلقه ... 

لقد باتت ركنه الهادئ الذي كلما علت ضوضاء العالم حوله هرب اليه ، لقد بقي يومان فقط و تنتهي هذه التمثيلية ، شعر بثقل في صدره من هذه الفكرة ، مدام ان والده قرر البقاء في ميلانو فالأكيد انها سوف ترحل هي و والدها الى مدينة أخرى 

اختنق كثيرا من التفكير في ذلك ، فهو يشتاق اليها و يجمعها بيت واحد فكيف له أن يتحمل الا تجمعهم مدينة واحدة ....

-------------------------------------------------

لنقترب قليلا الى احدى البنايات التي وجدت ماريا نفسها محتجزة فيها ،  لا تعلم ماذا حدث بالضبط ، كل ما تتذكره هو طلب ادم مرافقة أحد حراسه لي الى مكان ما ، حاولت سؤاله مرات عديدة عن وجهتهم ، حاولت حتى المقاومة لكن ذلك الحارس امسكها من خصلات شعرها حتى انها تكاد تقسم انها بعضا من شعرها قد اقتلع في يده ، صرخت و ضربت  لكن ما الفائدة لقد انتهى الامر ، لقد كشف ادم بالتأكيد سرها ، لكنها عادت بذاكرتها الى تلك اللحظة التي نداها بذلك الاسم ، ذلك الاسم الذي بدا لها مألوفا ، كأنها اعتادت سماعه منذ زمن بصوته ، ذلك الصوت الذي يرافقها منذ كانت صغيرة .... 

جلست على الارضية بعد ان اجتاحها اليأس ، لقد كانت تظن انها اقتربت من الحرية لكنها وقعت في سجن أكبر . 

---------------------------------------------------

كانت سيلفيا حتى وقع صدمة عظيمة  فقد قامت الممرضة بتصوير الفتاة التي زارت والد ابنتها ، و صدمت بذلك الشبه الذي يجمع بينهما و أكدت لها الممرضة ان الفتاة ابنته و انها من تأتي دوريا لرؤيته ، تجمعت الدموع في أعينها و هي تتأملها بعد ان اصبحت امراة شابة ، هي الان في التانية و العشرين من عمرها ، لاحظت ان نفس الوحمة موجودة في عنقها ، اي انها نفس الفتاة من الحفلة 

شعرت بدوار من التفكير ، كيف لابنتها ان تكون ابنة أدم مديتشي ، هل هذه خدعة ما ، شعرت انها تحتاج الى معلومات اكثر حول عائلة مديتشي في العموم فهي قد ذهبت الى تلك الحفلة بشكل عام او بمعنى اصح كواجب لا أكثر  ، لذلك قررت العودة الى مكتب والده لسؤاله  ، عندما اقتربت من المكتب سمعت حديثه مع زوجها 

- حسنا يا خوان ، اتفق مع باقي عائلات المافيا و سوف ازودك بما تريد ، لكن لا اريد لاسمي أن يذكر ، و اذا ذكر سوف تدفع الثمن ..

- لا تقلق يا عمي ، اسمك سوف يبقى خارج الموضوع بالتأكيد ، و لقد اخدت مباركة باقي العائلات ، العديد منهم قد طالته يد فيليب و يريدون التخلص من هذه العائلة ... سوف امحيها من الوجود 

اتسعت عينيها في صدمة شديدة ، اذا عزم زوجها على قتل الكل فهذا معناه ، ان ابنتها سوف تقتل معهم ، شعرت بالرعب يسري في عروقها من الفكرة ، ابتعدت من الباب بسرعة كي لا ينكشف امرها ... 

*********************************************************

مضى اليوم على كل حال ، و خلد الكل الى النوم ، لكنه لم يستطع النوم ، وجد نفسه في جناحها مجددا ، كانت تقرأ احد الكتب حين رأته في حالة مزرية فتحت ذراعيه له ، زحف بثقل نحو و سكن في احضانها ، كان بينهما تلك اللغة التي لا يحتجان فيها الى كلمات كي يتواصلا ، تكفي نظرته الراجية و ملامحه المرهقة كي تعلم أن هموم الدنيا قد اثقلت كاهله و يحتاج الى ركن هادئ ، لم تكره انها ركنه الهادئ بل أحبت ذلك كثيرا ، احبت انه يختارها في كل مرة كي يهرب اليها ، و لا يوجد شعور اعظم من ان تشعر انك مرغوب ، ان تشعر ان هناك من يحتاجك في حياته ، انك وجودك له معنى ... 

ضمته في صدرها و عبثت بشعره ، و قالت له بنبرة حزينة : غدا اخر يوم لي ، غدا سوف تنتهي هذه المسرحية يا والدي 

زفر بقوة ، فلامست انفاسها بشرتها الحليبية ، بدأ برسم دوائر على صدرها قائلا : لقد كنت ممثلة بارعة ، تستحقين الاوسكار بجدارة...لكن كل شيء كان تمثيلا ؟ هل ما تشعرين به الان تمثيل ؟ هل ما اشعر به تمثيل ؟ 

نظر اليها ، و قد قرأ تأثير لمساته على جسدها ، لتقول هي بتأثر : سواء كان تمثيلا او حقيقة ، سوف ينتهي ، لا اعتقد ان بقائي في ميلانو فكرة جيدة بعد الان 

لم يملك الجرأة كي يطلب منها البقاء ، و حتى ان طلب منها البقاء تحت أي مسمى ستبقى ، تحت مسمى ابنته أم عشيقته ، شعر بغضب عارم يجتاحه ، لينهض من احضانها و يخرج مسرعا ، لم يثنه صوتها المنادي عن رغبته في الابتعاد ، لكنه ابتعد رغما عنه ، لم يرد أن يغرق أكثر مما هوغارق الان ... 

----------------------------------------------------------------

في اليوم الموالي في أحد المطاعم الفخمة 

كان الجميع يستمتع في جو عائلي رائع ، فعائلة ميديتشي كلها كانت مجتمعة ، كان ذلك تعويض فيليب لحفيدته على تلك الحفلة التي تم افسادها ، اقترب لورينزو من اخيه قائلا : سكوتهم هذا مريب للغاية ... وحتى خوان لم تقم بردة فعل مناسبة اتجهه ، ما بك فيليب ؟ 

قال له فيليب بابتسامة : هذه اخر ليلا لحفيدتي ، ستعود غدا الى والدتها ، لا اريد ان يصيبها مكروه الا ان اضمن انها خرجت من ايطاليا كلها ، اما خوان فمبدئيا لقد عملنا على ان يتكبد خسائر معتبرة  لكن الحرب الحقيقية سوف تبدأ بعد رحيل ليلة ترقب فقط  .. 

ابتسم له لورينزو برضا عن ما قاله اخوه ، ربت على كتفه ، اما ادم فكان يراقب تلك الساحرة الصغيرة و هي تتحدث مع فتيات عائلته ، كم بدت بريئة و لطيفة للغاية ، شعر باهتزاز هاتفه في جيبه ، اخرجه و ادرك انه صديقه ، اغمض عينيه في ضيق لقد نسي تماما محادثته ، اجابه مباشرة ليصرخ به : هل أكلت تلك الفتاة عقلك حتى لا تجيب على اتصالي ايها العاهر ؟ 

اجابه أدم بضيق : اسمع لدي ما يكفي من الهموم هنا ، اخبرني ان كل شيء يسير بخير هناك ؟ 

حاول صديقه ان يسيطر على الموضوع فقد استشعر مدى ارهاق أدم ليقول : كل شيء بخير ، لقد ارسلت أول دفعة ، كن في استقباله ، ستصل بعد نص ساعة ، سأبعث لك بالموقع ؟ 

نظر أدم حول و أجاب : هل من الضروري ان اكون انا حاضر ، سأبعث ماثيو و هو سوف يتولى الامر 

صرخ به صاحبه بقوة : لن يبيعوا اعضائها الداخلية اذا غبت عنها ساعة واحدة ، ثم ان كل شيء يجب ان يمر تحت يديك ، انت شريكي فقط ، لا أثق بغيرك ، ارجوك لا تخسر ثقتي ... 

صمت ادم ثم رد : حسنا ، ابعث لي الموقع و سوف أكون هناك في الحال .. 

اقفل الخط معه و اقترب من امه و همس لها بانه سوف يذهب في عمل مهم و سوف يعود قريب ...

شاهدته و هو يبتعد  ، تركت الفتيات و سارعت في خطاها اتجاهه ، لحقته به بصعوبة خاصة بذلك الكعب ، و ما اقتربت منه حتى وقعت بين احضانه ، ساعدها في الاعتدال لكن بقي قريبا منها ليقول لها : اعتقد انك سوف تقعين، ذلك هو مكانك الطبيعي .. 

ابتسمت من غزله ذلك ، ثم لكزته في كتفه : الى اين تظن نفسك ذاهبا ، اليوم أخر يوم لي هنا ، و انت سوف تتركني و تذهب الى مكان أخر 

احتضن وجهها بكفيه : مجرد عمل طارئ ، ساعة واحدة  و أعود اليك 

وضعت يديها فوق يديه : متأكد انك لن تتأخر ؟ 

هز رأسه موافقا و هو يقبل رأسها بحب شديد ، بينما ابتسمت هي له ، ود لو توقف الزمن عند ابتسمتها الفانة تلك ، ود لو استطاع سرقة تلك اللحظة و عيشها الى الابد ، ما كان ليسأم من ملامحها الجميلة ، ما كان ليسأم من وجهها الملائكي ، أحس انه سيفتقدها كثيرا هذه المرة ... 

اما هي فأحست انها لن تراه لوقت طويل ، و ربما قد تكون صادقة في ذلك الاحساس ، خرج هو ، و لم يبدوا ان احد قد انتبه الى خروجه حتى اولائك الخونة الذين وظفهم خوان من أجل نقل تفاصيل كل شيء اليه ...

------------------------------------

كانت سيلفيا تتمشى في غرفتها في قلق شديد ، فقد كانت تتبع خطوات زوجها منذ سماعها لنيته في التخلص من عائلة مديتشي ، لاول مرة تحس بالتقزز منه ، لا تنكر انها لم تحبه يوما ، لكنها تقبلته كزوج لكن كل ما يفعله يجعلها تنفر منه أكثر و أكثر ... 

بعد تتبعها لكل ما قام به ، اكتشفت انه يخطط لتصفية العائلة كلها الليلة ، كونه علم انهم يحتفلون في مكان بعيد عن قصرهم ، و الاهم ان كل العائلة موجودة و لن يتبقى أحد كي يحاول الانتقام ، لقد اتفقت مع احد رجال خوان أن يقوم بتهريب ليلة في وقت الهجوم ، عليها ان تفعل المستحيل من اجل ان تضمن ان ابنتها ستكون بخير .... 

سخرت من نفسها ، و هي تتذكر كيف تخلت عنها منذ سنوات كثيرة ، ربما لم تكن أما مثاليا ، بل لم تكن اما نهائيا لها ، لكنها لن تسمح بأي شيء أن يحدث لها  ....و سوف تدافع عنها مهما كلفها الثمن ... 

ودت لو استطاعت ان تقوم بتحذير ال مديتشي ، لكنها تعلم خطورة ذلك ، و كذلك لم تكون لديها فرصة اخرى للحصول على ابنتها مدام انهم يدعون انها ابنتهم ، كان تفكيرا انانيا ، لكنه التفكير الوحيد الذي بدا لها صوابا ، لكن هل قامت بأي شيء صواب في حياتها؟

**********************************



تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفصل 12 من رواية الابنة المزيفة

الفصل 13 من رواية الابنة المزيفة