الفصل 13 من رواية الابنة المزيفة
بعد مرور يومين ، الساعة الخامسة صباحا
مر يوم امس بهدوء حاول الجميع نيل القليل من الراحة من حدث اليوم الذي قبله ، حتى الخدم و تم منحهم عطلة نظرا لذلك الظرف العصيب الذي مر به الجميع ...
كانت قد اخدت قسطا كبيرا من النوم ، و اراقها التفكير لذلك كانت تحاول الاسترخاء قليلا في المغطس ، حين سمعت صوت خطواته ، حتى حضوره بات له تأثير عليها ، كانت مولية بظهرها للباب لذلك لم تره ، لكنها شعرت به ، هي عارية تماما في المغطس ، و هو يقترب رويدا ، لم تستطع حتى الالتفات اليه بل حافظت على سكونها ، فمجرد حضوره بعثرها فمابالك بلمسة منه ، شعرت بحركته خلفها مباشرة ، ثوان من الصمت ثم شعرت ، بأنفاسه تلفح عنقها المرمرية ، ابتلعت ريقها بصعوبة شديدة ، احست بأصابعه تضغط على كتفيها ، لتلتف يده اليمين حول عنقها ،
دبت قشعريرة في جسدها ، ان تبادل رجلا قبلة شيئا و أن يأسر انوثها بأفعاله شيء لم تجربه من قبل ..
همس لها بالقرب من أذنها : هشششش ، فتاة مطيعة ، ابقي كما انت و لا تتحركي ...
بدأ في تدليك كتفيها برفق بيده اليسرى ، كانت تشعر بالاثارة من لمسته تلك ، اغمضت عينيها في استمتاع ، ابتسم ابتسامة جانبية ، فقد احس بتأثيره عليها زاد من ضغط تدليكه و بدأ في تحريك يده نحو الاسفل ، تأوهت براحة عكست تأثيره ، شد قبضته حول عنقها قليلا ، لا اراديا وضعت يدها على يده الملفوفة حول عنقها ، همس لها مجددا بسخرية : لقد اخبرتك ان لا تتحركي يا صغيرتي ، الفتيات الجيدات ينفذن الاوامر ، لكنك لست كذلك ، انت فتاة سيئة ، أتعلمين ماذا يحصل للفتيات السيئات ؟
كادت ان تبكي في لحظتها ، لا تعلم لما انتباها شعور بالذنب لأنها تحركت ، اعاد سؤاله بصوت قوي : لقد سألت سؤال ، أتعلمين ماذا يحصل للفتيات السيئات ؟
لم تجد صوتا لتجيبه ، لذلك اكتفت بهز رأسها نفيا ، قال بنبرة قاسية : الفتيات السيئات يعاقبن ....
سحب يديه منها و استدار خارجا ، و هو يقول : استعدي ، سنخرج بعد قليل ...
استدارت لترى ظله يختفي لتلعن نفسها في صمت ، و تتلمس عنقها محاولة استشعار لمسته ، كان ذلك عقابها ، ان يحرمها من لمستها ...
----------------------------------------------------------------------
كان القصر يعم في صمت رهيب ، بحثت بعينها عنه و وجدته جالسا يطالع هاتفه ، استقام واقفا ما ان رأها ، كانت ترتدي فستانا ابيضا قصيرا لكن ليس بطريقة مبالغ بها ، رفعت شعرها على شكل ذيل حصان ، لكن بعض الخصلات اختارت ان تتمرد و تتلمس بشرة وجهها ،حاول ان لا يطيل النظر اليها و اشار اليها بيده بأن تتبعه
تبعته في صمت ، و هي تتأمل قامته الطويلة ، مشيته التي توحي بالثقة ، بدلته الانيقة ، تساءلت اذا كان يرتديها حين دخل الى حمامها ، لم تتجرا على الحديث ، كانت رجولته تحتوي كل تفاصيلها الانثوية ، ركب هو السيارة و تبعته هي دون ابداء اي اعتراض ، حاولت ان تضع حزامها لكنها كانت متوترة كفاية كي تفشل في ذلك ، شق صوته الصمت اخيرا قائلا : دعيني اساعدك يا حلوة ....
اقترب منها مدا يده كي يساعده ، لكنها رأت تلك النظرة في عينيه كأنه مستمتع بتوترها ، لتقول له بتحدي : لا بأس ، استطيع فعل ذلك بنفسي ...
جذبت الحزام بكل قوتها و وضعته ، تراجعت يده الى المقود ، و عدلت هي من نفسها في محاولة لاسترجاع وجودها الذي الغاه بأوامره....
--------------------------------------
دقائق صمت مرت ثقيلة عليها ، فقد ارادت ان تتكلم و تسأله عن كل شيء ، لكن كبريائها رفض ان يبدأ الحديث ، بدت لها الطريق معروفة نوعا ما ، اليست تلك دار الرعاية التي يقبع بها والدها ، نظرت له بدهشة ليبتسم لها قائلا : لقد وعدتك بأنك سترينه ...
ركن السيارة ، و اشار لها برأسه بالذهاب ، لم تقل كلمة بل انطلقت تجري الى الداخل ، و مشى هو ورائها بخطوات هادئة ، و لم ينتبه الى هاتفه الذي يعج بمكالمات كثيرة من صديقه ...
---------------------------------------
لا تعرف كيف قطعت تلك المسافة من السيارة الى غرفة والدها لكنها فعلت ذلك ، دخلت الغرفة بهدوء شديد ، اقتربت من فراشه و تأملت منظره النائم ، امسكت بيده و جلست على ركبيتها مقبلة رأسه ، فتح عينيه بثقل قائلا : من انت ؟
اجابته ليلة و الدموع في عينيها : انا ليلا ، الا تذكرني يا ابي ؟
وضع يده على خدها قائلا : ليلتي ، ليلا اين كنت ؟ كانت والدتك تبحث عنك
شعرت ليلا بالحيرة و الدهشة فهو لم يتحدث عن والدتها منذ رحيلها ، لكنها ارجحت ذلك للزهايمر الذي لم يترك أي ذكرى في مكانها في دماغه
ردت عليه بحزن : امي ذهبت منذ وقت طويل ... هي لن تبحث عني ابدا
انزعج والدها و بدأ بالهمهمة قائلا : هي هنا ، هي جاءت ، سيلفيا هنا ، سيلفيا هنا ..
شعرت بغرابة شديدة من سماع اسمها ، فتلك المراة لا تعني لها شيئا ، لم تحبها كابنة و هي لم تحبها كأم ، نقطة و انتهى الموضوع ، لكن لماذا تشعر بحنين و شوق كبير من سماع والدها عنها ، شعرت بزوج من العيون تراقبها ، رفعت رأسها لتقابلها نظراته الحادة ، فقررت انهاء الزيارة : حسنا يا ابي ، كما تريد ، الان نم ، هيا عد الى النوم ...
ظل يهمهم و هو يغمض عينيه : هي هنا ، جاءت من اجلك ، سيلفيا هنا ...
دثرته جيدا و قبلت جبهته و خرجت ، لم توجه اي حديث الى أدم الذي بدأ صمتها هذا يزعجه ، مشى ورائها الى خرجت من البناية و دون سابق انذار استدارت اليه و عانقته بقوة قائلة : لماذا كل شيء احبه يصر على ايذائي ؟
ضمها الى صدره أكثر قائلا : لأن الألم يكون فقط من الاشياء التي نحبها .....
----------------------------------------
الساعة العاشرة صباحا
- امي هل تذكرين ابنتي ؟
سألت سيلفيا والدتها نورا الجالسة امامها ، قالت نورا بحيرة : اي ابنة يا عزيزتي ، انت و خوان ليس لديكما اطفال ؟
ردت سيلفيا بشرود : اقصد ابنتي التي تركتها منذ زمن بعيد ، حين هربت ...
تعكر مزاج نورا و قالت بتبرم : نعم اذكرها ، لكن ذلك ماض و مضى ، ثم انك بحثت عنها و لم تجديها لما تتذكرنها الان ..
وضعت سيلفيا يدها على قلبها قائلة بشوق : اشعر انها قريبا هذه المرة ، اود لو اراها مرة واحدة ...
وضعت نورا يدها في يد ابنتها و قالت بحزن متصنع : عزيزتي اعلم ما تشعرين به ، لكنك قمتي بكل ما بوسعك ، لا تتعبي عقلك بهذه الامور
ضمتها الى احضانها و هي تدعوها الى عدم التفكير في ذلك ، لكن سيلفيا كان عقلها منشغلا بشيء واحد و هو ابنتها ، لم تشأ ان تخبر والدتها انها كلفت رجلا خبيرا في البحث عن والد ابنتها و قد وجده فاقدا للذاكرة و مرميا في احد دور الرعاية الصحية ، و قد قامت بزيارته شخصيا و سؤاله عن ليلا لكنه لم يتعرف عليها حتى ، و هي بدورها لم تشفق على حالته ، برأيها كان يستحق ما حل به ، لكنها ستكرر الزيارة فالممرضة قالت ان هناك فتاة تزوره باستمرار لكن لا تعلم اوقات زيارتها و سوف تخبرها حين تأتي في المرة القادمة ....
------------------------------
كان خوان يحاول اقناع والد سيلفيا بدعمه قليلا في حربه ضد ال مديتشي ، تحدث خوان بثقة : ال مديتشي لا زالزا ضعفاء للغاية ، تلك الحفلة مجرد عرض رخيص لقوة لم تعد موجودة ...
هز روبيرتو رأسه قائلا بعصبية : انا دعمتك في عملك لأن سعادة سيلفيا مرهونة بك ، لكن ان تقوم بششن حرب سخيفة على عائلة لم تفعل أي شيء ضدك ، هذا جنون لن اشارك به ...
- حماي العزيز ، انت لا تعرف فيليب جيدا كما انا اعرفه ، لقد شهدت دمار عائلتي على يد عائلته منذ زمن بعيد ، و لن اسمح له بأن يفعل ذلك مجددا
- لكنه لم يفعل اي شيء بعد ، كل ما فعله هو اقامة حفلة لعينة فقط لحفيدته على ما اعتقد ... كيف تقدر البلاء قبل وقوعه
- لو كانت مجرد حفلة لعينة كما قولت ، ما كان ليدعوا كل المسؤولين ، و رجال الشرطة و رجال الاعمال ، لقد كان الامر اشبه بمهرجان للتبجح بالقوة و ليس حفلة فقط ، انا افعل هذا من اجل عائلتي و خاصة من أجل سيلفيا لا أريد ان يصيبها مكروه
- انا اسف ، لكن طلبك مرفوض تماما ...
جلس خوان بخيبة أمل قائلا : لقد فات الاوان الان ، ادم لن يتركني لا انا و لا عائلتي احياء و لا حتى سيلفيا ...
في تلك الدقيقة دخلت سيلفيا الى المكتب و قالت بنبرة لطيفة : هل اقاطع شيئا ؟
نظر اليها والدها بقلة حيلة و فتح ذراعه لها : تعالي يا حلوتي ، تعالي ....
اقتربت من والدها و احتضنته بقوة قائلة له : يبدوا انك اشتقت لي كثيرا هذه المرة
تلمس شعرها بحب شديد و اكتفى بصمت ثقيل ، بينما نظر له خوان بنظرات ذات معنى ، سمعت سيلفيا صوت والدتها المنادي ، حررت نفسها من احضان والدها قائلة : سأرى ما بها امي و اعود لك ، انتظرني ...
انصرفت مثل الفراشة ،نظر له خوان بتأثر : لا اتخيل اليوم الذي لن نسمع فيه صوتها الجميل بسبب تلك العائلة اللعينة
كان خوان يعلم جيدا ان نقطة ضعف أي رجل هي ابنته و خصوصا روبيرتو ، فقد كان يحب ابنته حبا جما فهي مدللته الصغيرة ، تنهد هذا الاخير بقوة قائلا بقلة حيلة : لك ما تريد ،فقط عدني ان ابنتي لن يحصل لها أي شيء ...
اخبره كارلو بثقة : اعدك
-----------------------------------------------------
في نفس الوقت في قصر مديتشي
كان كل من أدم و ليلا قد عادا الى البيت ، لم يتحدثا كثيرا في الطريق ، لكن احتضانه لكفيها كان كافيا لها كي تشعر باهتمامه بها ، عندما عادا كان فيليب و زوليا يتناولان الفطور فانضما اليهما مباشرة ....
بعد الفطور جلست ليلا مع زوليا يتحدثان في بعض المواضيع النسائية ، اما فيليب و ادم فقد كانا يتحدثان عن بعض المواضيع المتعلقة بما سيفعلونه بخوان في مكتبهما...
على الجانب الاخر كانت ماريا قد استطاعت الهاء كبير الخدم و الخروج من غرفة الخدامات ، كانت تريد ان تزور ليلا و توطد علاقتها بها أكثر كي تنقل اخبارا اكثر لكارلو ، لكن الاصوات باتت اقوى و اقوى في رأسها ، كلما مشت في اتجاه معين تلاحقها لمحات عن ذكريات لا تعرف عنها اي شيء ، كان هناك جناح في اخر الرواق شعرت بقوة ما تدفعها للتوجه اليه و القاء نظرة على ما فيه ....
لم يستغرق الامر كثيرا و انتهى والده من الحديث ، بعد رؤيته لمنظر ليلاش مع والده شعر بالاشتياق أكثر لابنته ، فكر قليلا في انها لو كانت حية ، كانت لتكون في السادسة عشر من عمرها الان ، قادته قدماه الى الجناح القديم ، الجناح الذي كانت يشغله مع كاميلا و ليلا ، ذلك الجناح الذي احتوى ضحكات صغيرته في سنواتها الستة ، ذلك الجناح الذي كان مسكن لقلبه لسنوات عديدة ، عدل عن ذلك حين تذكر وجود صور لكاميلا هناك ، لكنه وجد نفسه غير قادر على عدم الذهاب الى هناك فذلك المكان الوحيد الذي يحتوي على ذكرى صغيرته
فوجئ بوجود الباب مفتوحا ، وضع يده على مسدسه و هو يدخل بهدوء شديد ، رأى احدى الخادمات ممسكة بصورة ما في يدها ، صرخ بها بانزعاج شديد : من أذن لك بالدخول الى هنا ؟
استدارت له بحركة بطيئة و هي في يدها الصورة و سألته بحيرة : من هذه المرأة ؟
جحظت عينيه في صدمة شديدة ، و هو يرى شابة شبيهة لكاميلا لدرجة مهولة ، هي بدورها نظرت اليه بدهشة شديدة ، انه نفس الرجل الذي يزورها في احلامها باستمرار ، لم يستوعب كلاهما الصدمة ، و ظل كلاهما واجمين للحظات ، افاقت من شرودها على صوته قائلا : تلك زوجتي السابقة كاميلا ...
هربت الكلمات من حلقها : انها ... انها ....
قرأ هو افكارها و قال : انها تشبهك ... ما اسمك ؟
ردت بتوتر : اسمي ماريا ... انت أدم ؟ اقصد سيدي أدم ؟
ابتسم من خوفها و توترها و قال : لا بأس ، انا هو ... لكن الشبه غريب للغاية ، هل تعرفينها ؟
اشار الى الصورة ، هزت رأسها نافية : كلا لم اراها في حياتي .... هذا المكان ...
كادت ان تخبره باحلامها الغريبة ، و الاصوات و الذكريات لكنها تراجعت ، خافت ان يظنها مجنونة او ما شابه و يطردها خارج القصر ، للحظات نسيت سبب قدومها و سبب تواجها هناك ، نسيت تحذيرات كارلو المتكررة بشان أدم نسيت كل شيء ، لثوان بدا كل شيء مألوف ، كأنها كانت هنا من قبل ، كأنها تعرف هذا المكان ، شعرت بالدوار قليلا و كادت ان تقع ، ليسارع هو لامساكها قائلا بقلق : هل انت بخير يا صغيرة ؟
هزت رأسها بالايجا بالايجاب و ابتعدت عنه معتذرة : انا اسفة على تطفلي ، و اسفة على كل شيء ، ارجوك لا تخبر كبير الخدم سيحرمني من الطعام اذا علم ...
شعر بالشفقة اتجاهها و قال لها بحنان : اذا كنت جائعة بامكاني احضار الطعام لك ..
هزت رأسها بنفي قائلة : العفو منك سيدي ، لكن ذلك لا يجوز ، المعذرة عليا العودة الى العمل الان ، اسفة مجددا على ما بدر مني ..
كان يتأمل ملامح وجهها كأنها جوهرته التي فقدها منذ زمن طويل ، لاحظ انها تمتلك نفس لون عينيه ، بدأت كمية الصدف هذه في اقلاقه بشدة ، شعرت هي بتوتر من نظراته تلك ، و همت بالخروج ، حاول ايقافها لكن الكلمات هربت من لسانه ليجد نفسه يصرخ : ليلا
لا اراديا استدارت مجيبة اياه : نعم
تعليقات
إرسال تعليق