الفصل 17 من رواية الابنة المزيفة



تتحسس وجنتيها بينما تغرق في بكاء صامت ، لم تكن تتصور ان خوان قد يجرأ على فعل ذلك أبدا ، كان هناك شرخ في روحها يتوسع أكثر و أكثر ، لقد فتح هذا ابواب كثيرا ظنت انها اغلقتها منذ ماض سحيق ، مسحت دموعها و تحركت الى أحد الابواب حيث هناك حارس ينتظرها ، من حسن حظها أن والدتها في زيارة لخالتها و أن والدها قد غادر من أجل بعض العمل .... 

سألته بحذر : هل هي بخير ؟ 

هز رأسه موافقا : نعم ، لكنها ترفض الاكل و الشرب 

هزت رأسها بتفهم و قالت بجدية : حسنا ، خدني اليها 

--------------------------------------------------------

لقد فكرت في عدة سيناريوهات من أجل هذه اللحظة ، الا ان واحدة منها لم تقترب مما تعيشه الان ، عليها أن تكون قوية ، لقد خاطرت بالكثير من أجل هذه اللحظة ، بل و استعدت لأن تضحي بزوجها من أجل ذلك ... 

كانت ليلا تنتحب في صمت من القهر و الحزن اللذين غلفا روحها ، منذ زمن قليل كانت ترقص و تقفز ، كانت في قمة سعادتها و الأن هي مخطوفة و لا تعلم مصيرها ، سمعت صوت كعب يقترب منها ، رفعت نظرها لكي ترى صاحبته 

وقفت الكلمات عند شفاهها ، تلك الملامح ليست غريبة عنها بالمرة ، صحيح أنه مر سنوات عديدة ، لكنها ليست كافية للمرأ كي ينسى أمه خاصة أن ليلة كانت ناضجة كفاية كي تتذكرها 

انحنت سيلفيا بجذعها كي تساعد ليلا على الوقوف ، ظلت كلاهما تنظران الى بعضهما البعض في صمت

نظرات ليلا كانت مملوءة بالحيرة ، و الدهشة و الصدمة  ، و نظرات سيلفيا كانت مملوءة بالشوق و الحنين ، سنوات و هي تحاول ان تصل اليها ، و هاهي الان امامها ، تذكرها بشبابها ، كم تشبهها ...

حاولت سيلفيا أن تمسح دموع ليلا الا ان هذه الاخيرة منعتها بقوة مبتعدة عنها بخطوات كمن استوعب شيئا ما  : انت من فعلتي هذا بي ؟ انت من قتل عائلة مديتشي ؟ 

هزت رأسها نافية : كلا لست انا ، لم أكن لأفعل ذلك يا ... يا... ابنتي 

رفعت ليلا اصبعها محذرة اياها بغضب : اياكي ان تجرئي حتى سيلفيا ، اياكي... 

تنهدت سيلفيا بألم شديد قائلة : لم اتوقع ان ترتمي في احضاني حين تريني بعد هذه السنوات ، لكنني استحق فرصة ... 

صرخت بها ليلا : فرصة ... انت من تتحدثين عن الفرص ... دعيني احدثك عن فرصة أن تربي ابنتك و تحبيها مثلا  بدلا من أن تهربي .. برأيك أليست تلك فرصة جيدة ؟ 

ردت سيلفيا بحدة : تتحدثين و كأنه كان هو الاب المثالي ، و كأنه لم يكن سكيرا حقيرا ... 

نظرت اليها ليلا بحدة : ذلك السكير بقي معي ، لم يتخلى عني ابدا ، عكسك انت تخليتي عني 

غلبت سيلفيا الدموع و قالت بانتحاب : كنت سأجن ، كنت سأقتل نفسي مما فعله بي والدك ، اتظنين اني كنت سعيدة بمعاملتي السيئة لك ، لقد كنت انتحب في فراشي كل ليلة على فراقك ، و كنت الوم نفسي دائما على عدم حبك ... لكني اكتشفت بعد علاجي أنني احببتك بالفعل و ان كرهي لوالدك هو من دفعني الى ذلك ..

رددت ليلة : علاجك ؟ 

هزت سيلفيا رأسها قائلة : ثنائي القطب ... مرض عقلي ... لازلت اخد بعض الادوية من أجل التحكم بزمام الامور 

شعرت ليلا بالضياع ، لكنها تمسكت بغضبها الشديد منها : أين كنت كل السنوات الماضية ؟ 

اقتربت منها سيلفيا و امسكت بيدها قائلة برجاء : كنت ابحث عنك ، اصلي من أجل اجدك ، و صلواتي قد اجيبت 

تذكرت ليلة كلام والدها : هل ذهبتي لزيارة والدي ؟ 

هزت رأسها موافقة و قالت : نعم ، و من هناك علمت انك ابنتي ، لكني اود ان اعرف كيف اصبحتي ابنة أدم مديتشي ، لقد حضرت تلك الحفلة التي تم قدمك فيها ، و بما انه ذكي حرص على اخفاء وجهك ، لكنه نسي ان يخفي رقبتك ، فانا أعلم وحمة ابنة جيدا و لا انساها 

تسارعت دقات قلبها من ذكر اسمه ، و بدأت بفرك يديها في توتر قائلة : انت تلك المرأة من الحفلة ،.. 

شعرت ليلا بدوار خفيف و جلست على احد الكراسي ، بينما ظلت سيلفيا واقفة تنظر اليها في انتظار اجابة ، اخبرتها ليلا بغيظ : ليس من شأنك ، على الاقل هو ارادني كابنة 

جلست سيلفيا على ركبيتها مقابلا لابنتها : لا اتوقع أن تغفري لي يا ابنتي ، لا اتوقع ان تسامحيني ، ما فعلته كان فعلة شنيعة ، لكنني كنت مريضة و والدك كان يزيد من مرضي أكثر و أكثر ، صدقيني اني حاولت ايجادك لسنوات 

نظرت اليها ليلا بحيرة قائلة : اود ان اصدقك ، اود ذلك ، لكنك لم تتركي داخلي الا القسوة و الالم 

هزت سيلفيا رأسها متفهمة : اتفهم ذلك ، لكن اود أن اشرح لك شيئا ، شيء سوف تعلمينه عاجلا ام اجلا  ، و عليك أن تفهمي أنه لا ذنب لي في هذا .... 

اخدت سيلفيا نفسا عميقا و قالت : انا متزوجة من رجل ما ، هذا الرجل يكن عداوة شديدة لعائلة مديتشي ، و هو من حاول تفجير تلك القنبلة في تلك الحفلة ، و هو من ... هو من قتل عائلة مديتشي كلها ، والدي أيضا متورط في هذا ..

اتسعت عينا ليلا في صدمة و همست : كلها ؟ و أدم ؟ 

طمئنتها سيلفيا : هو بخير ، لم يكن متواجدا ، و انت كان من المفروض ان تقتلي معهم لكني كنت اخطط لاختطافك منذ البداية في ذلك اليوم ، لذلك سارع الرجل الذي وظفته لاختطافك حين رأى المسلحين 

انفصلت عن الواقع قليلا ، و انهمرت دموعها حزنا على والدي أدم ، لقد احبتهما بشدة ، و قد كانا لطيفين معها بل و منحها كل شيء ، شعرت بالحزن الشديد من أجلهما ، لم يستحقا ذلك ، فكرت في أن ادم على الاغلب وحيد الان ، لقد فقد كل احبته في يوم واحد ... 

نهضت ليلا من مكانها قائلة بغضب : اللعنة عليك و على زوجك اللعين ، اريد الخروج من هنا ، اريد أن ارى أدم  ... 

هزت سيلفيا رأسها و قالت : حسنا ، لكن برأيك ما موقفه حين يعلم أنك حفيدة و ابنة زوجة من فعلا هذا بعائلته ، هل تظنين أنه سوف يستقبلك في احضانه ؟ او يعتقد أنك متورطة في كل هذا ، بل و انك السبب فيه ؟ 

هزت ليلا رأسها في عنف غير مصدقة لما تقوله هذه المرأة ، هل هي شيطانة ما ؟ كيف لها أن تكون بهذا البرود  

ابتسمت لها سيلفيا قائلة : لا يبدوا أن أدم قد عرفك كثيرا على عالمه ، اتدركين انه من الممكن أن ينتقم منك من أجل عائلته 

أنكرت ليلا بهيستيرية : كلا ، أدم لن يصدق هذا .... هو يعرفني .... هو يعلم انني بريئة ، انا لم افعل شيئا 

ردت سيلفيا بعملية شديدة : حقا ؟ لأنه حسب معلومات هو لا يريد النظر في وجه صديقه المقرب حتى ، اتحدث عن صديقه الذي فضل العمل معه  عن العمل مع عائلته ، شريكه لمدة تزيد عن العشر سنوات ، و مع ذلك هو لا يريده مجددا لماذا في رأيك ؟ لانه صديقه طلب منه المغادرة لعمل ما في منتصف تلك الحفلة ، فكري فقط  فيما سيفعله بك يا صغيرتي  ....

شعرت ليلا بضياع شديد في لحظتها و قالت بهمس : انت تكذبين ، كل شيء كذب .... 

كانت عينا ليلا محمرتين من البكاء و نفسها اصبح ثقيلا ، شعرت سيلفيا بالشقفة اتجاهها ، و لم تود ان تلعب معها هذه اللعبة السخيفة ، لكنها كانت الطريقة الوحيدة من أجل ان تصدقها  ، امسكت سيلفيا بيدها و قالت لها بنبرة حزينة : انا لا أقصد ايلامك او كسر قلبك ، انا حتى لا اعلم كيف انتهى بك الحال كابنة له ، لكنني اعلم انني منذ أن رأيتك في الحفلة و انا اعلم انك ابنتي ، كان شعوري كأم اقوى من كل شيء ، ربما اخطأت في الماضي لكن الا يشفع لي انني انقذت حياتك من موت محقق 

ردت ليلا بألم : ليتك تركتني أموت ، الموت أهون من أن اعيش و انا اعلم أن أدم يظنني سبب موت عائلته .. 

سألتها سيلفيا بقلة صبر : ما الذي يربطك بهذا أدم لهذه الدرجة ؟ اريد ان اعلم حتى ارى اذا كنت استطيع مساعدتك في شيء ؟ 

همت ليلا بصوت مبحوح : انا احبه ... 

---------------------------------------------------------

كان خوان يحاول جاهدا الهروب بأسرع وقت ممكن و استطاع تدبر مركب غير شرعي ينقله خارج البلاد  ،  لم يأخد معه أي من امواله ، بل ما يكفيه للسفر فقط ، مطمئنا نفسه بانه يمكنه الحصول على امواله لاحقا ، كان  أولاده يسألونه عن سبب هذا الهروب رغم احساسهم القوي بان والدهم قد قام بمصيبة ما ... 

على اليابسة كان أحد الرجال التابعين لسيلفيا واقفا مع البحار الذي باع خوان المركب و استطاع أن يحصل منه على بعض المعلومات بشأنه وجهته ....

و قد أخبر سيلفيا بكل المعلومات التي حصل عليها ، لتقول هي : ممتاز ، الان يمكنني بيع ذلك الحقير  مقابل أن يتركني أدم انا و ابنتي في شأننا 

--------------------------------------------------------

- ماذا تقصد أنك لا يمكنك فعل شيء يا رجل ؟

قالها روبيرتو بعصبية شديدة لأحد اصدقائه ، ليجيبه هذا الاخير : ابنة مديتشي مفقودة ، انه يمشط ميلانو كلها من أجلها ، الحديث معه الان هو اشبه بقنبلة موقوتة ، تحدث مع خوان عله يخفيها في ي مكان ما .

خلل روبيرتو شعره الخفيف الابيض في عصبية : ذلك العاهر ، لقد فعل هذه الكارثة و هرب ، لو كان يملك ابنته ما كان ليهرب كان ليستخدمها كوسيلة ضغط 

فكر صديقه بصوت عال : ان لم يكن انت او خوان او أحد رؤساء العائلات الاخيرين ، من مصلحته أن يختطفها ؟ 

----------------------------------------------------------

كانت ماريا تخطوا بهدوء بجانب أدم ممسكة بيده ، و متطلعة على  اروقة القصر بنظرة جديدة ، سألتها بهدوء : القصر هادئ للغاية ، اين عائلتك و الخدم ... 

شعر أدم بغصة في حلقه و قال : لم يعد لنا عائلة يا صغيرتي ، لقد ماتوا جميعهم ، لم يبقى لي سواك ... 

احتضنها بقوة لصدره ، و بادلته هي العناق شاعرة بحزن دفين  لم تجد ما تقوله سوى بعض عبارات المواساة المقتضبة ،  لكنها داخلها لقد تمنت لقائهم فعلا ، تقدمت قليلا نحو ذلك الجناح الذي جمعهما من قبل ، نظرت الى والدها خلفها الذي شجعها على الدخول ، لتدخل مجددا ، لكن هذه المرأة كان المكان مألوفا للغاية ، و تسلسلت الى انفها رأئحة عطر ما ، تذكرت عطر والدتها المميز ، اقتربت من تلك الصورة التي حملتها المرة الماضية و سألته : أين هي ؟ 

اقترب منها قائلا بأسف : فقدانك كانت صدمة كبيرة بالنسبة لها ، هي في مشفى للأمراض العقلية و النفسية 

شهقت ماريا بقوة ليقول لها أدم : ليلا عزيزتي ..انا متأسف انها ليست معنا اليوم ، لكن أعدك أن نذهب الى زيارتها في القريب العاجل 

توترت ملامح ماريا قليلا و قالت له  : هل يمكنني طلب شيء ما ؟ 

هز أدم رأسه موافقا : هل يمكنني الاحتفاظ باسم ماريا بدل من ليلا ؟ 

استغرب أدم طلبها ذلك و قال بحيرة : لكن ليلا هو اسمك الحقيقي ، لماذا تودين الاحتفاظ باسم مزيف ؟ 

تنهدت بعمق و قالت : لقد حملت اسم ماريا كل المدة التي اتذكرها ، هذا الاسم هو  كل ما كنت املكه ، هو  الشيء الوحيد الذي كان يرمز لوجودي على قيد الحياة ، ربما ليلا ماتت في تلك الحادثة ، لكن ماريا حية ترزق و لا اريد قتلها بالتأكيد ... 

ابتسم لها أدم باقتضاب و هز رأسه موافقا : لك ما تريدين ماريا ، لكن دعينا نتفق اسمك في الاوراق الرسمية هو ليلا و هو شيء لن يتغير ... 

فكرت ماريا قليلا و قالت : انت حصلت على ابنة مزيفة و انا على اسم مزيف ، أعتقد ان هذا عادل كفاية ... و بالحديث عنها أين هي ليلا المزيفة 

ابتلع  أدم ريقه برارة و قال : لقد تم اختطافها على انها انت ، انا ابحث عنها 

شعرت ماريا بالاسى : لابد أنها تعاني الان ، المسكينة منذ ان حكيت لي عن قصتها معك و انا اشعر بالحزن من أجلها ، فعلت كل ذلك من أجل والدها 

شعر أدم بالذنب قليلا ، فقد اخفى تفاصيلا كثيرة عن ابنته هذه المرأة ، كل ما اخبرها به انه كذب على والديه بشأن تلك الحادثة و اخبرهم ان ابنته و امها قد سافرتا و احضرها كي تمثل انها ابنته فقط 
لم يخبرها عن ذلك الانجذاب الذي كان يحصل بينهما كلما اجتمعا في غرفة واحدة ، لم يخبرها عن شفتيها اللتين كانتا بطعم الجنة ، و بالتأكيد لم تخبرها عن تلك الاحضان التي كانت تغمره بها

اخفى الكثير و الكثير ، لكنها كانت طبيعته ، و عادته التي لن يكف عنها ، هو يخبر الشخص فقط بما يحتاج معرفته هذا فقط  

قال أدم بثقة : سوف أجدها و أعيدها الى احضان والدها 

و همس بصوت منخفض اقرب الى الهمس : و الى احضاني 
 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفصل 12 من رواية الابنة المزيفة

الفصل 13 من رواية الابنة المزيفة

الفصل 14 من رواية الابنة المزيفة