الفصل20 من رواية الابنة المزيفة

 

رفعت ليلا عينيها لتقابل عينيه ، لونهما الاخضر بات أكثر قتامة ، و نظرات شيطانية خالصة و كانه رجل أخر و ليس أدم ، اعصابه المشدودة و نبرته الحادة ، و صوته الذي اصبح أكثر خشونة و قسوة كلها اشارات دبت فيها الرعب ، فاذا كان هذا مظهره فماذا سوف تكون افعاله ، تلاشت كل أمالها في ان تثبت برائتها أمامه ، فهو لن يتردد في قتلها  قبل أن تنطق حتى كلمة واحدة ..

اقتربت منهما والدتها و حدثته و هي  تضغط على اسنانها من الغضب : سوف تندم كثيرا يا ميديتشي ... 

قاطعها بحدة قائلا : بل انت التي لا تودين استيعاب حقيقة ان اللعبة قد انتهت و انا من ربحت ... 

ابتسمت له بسخرية : فوز أقل من الخسائر بكثير ... و سوف تخسر أكثر 

احمرت عينيه غضبا ، ليتدخل روبيرتو و يبعدها عنه ، بينما كانت ليلا ترتجف من الخوف ، لكنها تحاول ارتداء قناع الجمود الذي سلحتها به الحياة ، كانت تردد داخلها " ان لم يحس بخوفي منه ، لن يستغله ضدي " 

كانت تقاوم دموعها بقوة ، فمنذ أقل من شهر كانت تعمل كراقصة عادية في أحد الحانات البسيطة ... 

اليوم هي زوجة أقوى رجل مافيا في ميلانو ، و حفيدة رجل يشغل منصبا مهما ، أي قدر هذا ،هو بالتأكيد قدر لم تختره ، قدر لم ترده ، كانت تفضل أن تبقى في ذلك الفقر المدقع تكسب ما يكفي احتياجها هي و والدها على أن تعيش كل هذا ... 

شعرت به يسحبها خلفه نحو السيارة  و يضعها بها ، لم تصرخ ، لم تقاوم ، استسلمت فقط ، تعلم ان لا احد لتهرب اليه ، تعلم ان رجلا مثل ادم سوف يحرق ايطاليا كلها ، بل اوروبا و العالم كله من أجل ان يجدها ان هربت ... 

بدأ القيادة ، و عقله مشغول بها ، شعر بقلبه ينخلع من مكانه حين سحبها الى احضانه  ، لكنه كان يحافظ على وجه الجمود ذلك ، يساءل عن سكوتها هذا ، هل يعقل أنها واثقة لهذه الدرجة انه لن يمسها بسوء ... 

وصل كلاهما الى القصر ، و سحبها ورائه الى أحد الغرف ، و رماها على الارض بقسوة ، تأوهت بقوة من فعلته لكنها لم تقل شيئا ، ليصرخ بها : دافعي عن نفسك ، قولي انك بريئة ، قولي انك لم تفعلي أيا من هذا ... 

نهضت من مكانها و جلست على أحد الارائك و قالت بفتور : و كانك سوف تصدقني اذا قلت لها ذلك ، النتيجة واحدة سوف تقتلني لا محالة ....

استفزه هدوئها ذلك و برودها و اعتقد أنه تحدي لقوته و جبروته ، ليمسكها من خصلات شعرها و يجعلها تقابله : 

-"فكرت كثيرا في تعذيبك ، في تشويه هذا الوجه الجميل ، لكن كل هذا سوف يزول ، اريد شيئا لا يزول ، حتى قتلك لن يشفي غليلي ، فالموت رحمة ، رحمة لم تعد موجودة في جسدي ...."

في تلك اللحظة فقط ، رأى الخوف يتسلسل الى عينيها ، و كم ارضى ذلك غروره ؟ ، كم جعله ذلك يحس أن استعاد سيطرته عليها ، امسك بفكها باحكام شديد و قد رأى الدموع قد تجمعت في عينيها : سوف تبكين دما بدل هذه الدموع 

و اضاف بسخرية قاتلة : يا ابنتي .. 

--------------------------------------------

وضع أدم هاتفه أمام ألكس قائلا : هذا هو موقع ذلك العاهر حاليا ، كم يستغرق الوصول اليه و احضاره ؟ 

تأمل ألكس الاحداثيات قليلا و قال : ثلاثة أيام 

اخبره أدم في غضب : اللعنة لن تحضره من القطب الشمالي 

اجابه ألكس بهدوء : انت مدرك انه في قارة أخرى ، و انها رحلة ذهاب و عودة ، و انه علي ان أكون حذرا أيضا 

زفر أدم في  ضيق : حسنا ، حسنا ، افعل ذلك ، لكن حاول أن تختصر الوقت أكثر و أكثر ، لو لم تكن ابنتي كنت... 

هز ألكس رأسه مقاطعا اياه : حماية ابنتك ليست مشكلة كبيرة ، انها تلك الساحرة البيضاء التي احضرتها اليوم .. 

نظر أدم الى ألكس بحدة جعلته يصمت و يقول : سوف أذهب لتجهيز نفسي ، كي أنطلق في أقرب وقت .. 

اشار له أدم بالانصراف ، و جلس على أحد الكراسي يحتسي شرابه بشراهة عله ينسى كل شيء ... 

على الجانب الاخر كانت ليلا منكمشة على نفسها في أحد الارائك الموضوعة باهمال ، و تبكي في صمت ، مر بذاكرتها كل لحظة جمعتها به ، اهتمامه بها و عطفه و حنانه ، أيعقل أنه صدق أنها خانته بهذه البساطة ، و لماذا هي مستسلمة الى هذه الدرجة ، لماذا لا تدافع عن نفسها الى أخر لحظة كما اعتادت ، لماذا تسمح له بأن يعاملها على انها اقترفت ذنبا عظيما ، و الحقيقة أن ذنبها الوحيد انها وقعت في حبه ... 

نعم فحتى بعد كل هذا لازالت تحبه ، و لا تعتقد أن حبه سوف يزول من قلبها ...

--------------------------------------------------------------

في قصرعائلة  دالاس ، كان روبيرتو ينتظر ابنه ، فقد قام باخباره بالقدوم فالوضع لم يعد يحتمل ، و قد كان مايكل ابن غير شرعي لروبيرتو ، لذلك كان يقوم بارساله دائما لانجاز المهمات القذرة خارج البلاد حفاظا على سمعته ، لكن السر هنا أن مايكل لا يعلم ذلك ، بل يظن ان روبيرتو يحبه كابن له كونه محل ثقة و مخلصا له على الدوام ... 

دخل مايكل بهدوء و عانق والده بحرارة ، فقد مر وقت طويل منذ أخر زيارة له ، جلس مايكل على عجل و قال مباشرة : اعتقد أن الوضع سيء و الا ما كنت لتستدعيني ... 

ابتسم روبيرتو باقتضاب و قال : معك حق ، الوضع فعلا سيء 

حكى روبيرتو لمايكل باختصار شديد ما حدث ، هز مايكل حاجبيه في تعجب قائلا : كيف وافقت على دعم ذلك الغبي خوان على مثل هذا القرار ؟ 

تنهد روبيرتو بألم قائلا : من أجل سيلفيا ، كان خوان بالفعل متورطا ...

نظر مايكل حوله قائلا : أين هي ؟ 

رد روبيرتو بأسف : انهارت باكية من أجل ابنتها التي أخدها مديتشي 

حك مايكل رأسه قائلا : المشكلة ان أدم هذا ليس لديه ما يخسره ، لقد خسر عائلته بالفعل ، أي اننا ليس لدينا ما نساومه عليه .. 

ربت روبيرتو على قدم مايكل قائلا : من اجل هذا احضرتك الى هنا، من أجل أن تجد نقطة ضعف لهذا الرجل ، أي شيء يجعلنا نسترد الفتاة منه .. 

هز مايكل رأسه بالموافقة ، و هو يحاول ان يجد يفكر في طريقة ما لحل هذه المعضلة ...

---------------------------------------------------------

كانت ماريا تسرح شعرها حين دخل والدها الى غرفتها ، لتقول له معاتبة اياه : اراك انشغلت بعروسك عني منذ اليوم الاول 

حاول الابتسام لكنه لم يقدر حتى ، لتلتفت اليه سائلة اياه بفضول : هل هي هنا ؟ 

هز أدم رأسه بارهاق شديد ، لتقول هي بحماس : حسنا ، سوف اراها اذن 

قال أدم بحدة اخافتها : كلا لن تريها .. 

حاول ماريا التبرير قائلة : كنت سوف ارحب بها فقط ، لن ازعجها او ما شابه ذلك ... 

قبل أدم رأس ابنته و حدثها بنوع من التأثر : لا أحد يعلم بوجودك ، انت الشيء الوحيد الذي بقي لي من هذا العالم كله ، و لا أريد ان يصيبك أي مكروه ، لن احتمل الحياة من دونك ، انا اسف انني افعل هذا بك ، لكن هذا مجرد حل مؤقت ... 

ابتسمت ماريا و احتضنته بحب : لا داعي للاعتذار يا أبي ، انا اقدر ما تشعر به ، و لست غاضبة أو منزعجة منك بالعكس انا سعيدة انه اصبح لدي أب يحبني و يخاف علي 

قبل شعرها بعمق قائلا بحزن : ليتني وجدتك منذ مدة ، كان كل شيء ليختلف ...

اطمئن الى نوم ابنته ، و خرج من غرفتها متجها الى غرفة تقبع بها فتاة اخرى ، فتاة لم تختر قدرها بل هو من اختارها ...

-----------------------------------------------------

كانت ليلا قد سقطت في نوم عميق ، ناتج عن ارهاق شديد شعرت به ، كان واقفا فوق رأسها تماما ، لقد تأملها مرات عديدة في نومها ، لكن هذه المرة مختلفة ، قام بسكب كوب من الماء على وجهها ، لتنتفض بقوة من مكانها ، ليقول لها بسخرية  : هل هناك عروس تنام في ليلة عرسها .. 

ابتلعت ريقها في خوف شديد و انكمشت في مكانها ، ليمرر باصابعه على صدرها قائلا : لن اقترب منك ، اشعر بالتقزز لمجرد رؤية وجهك ... لكن كأي زوج محب لزوجته أحضرت لك هدية صغيرة ، اعتقد انك سوف تحبينها للغاية 

سألته بتلعثم : أي...أي... أي هدية هذه ؟ 

توسعت عينا أدم بنظرة شيطانية قائلا : انها مفاجأة ... 

و قبل ان تقول ليلة أي شيء وجدت نفسها في غرفة أخرى لكن بدل من الجدار ، يوجد فاصل زجاجي يمكنها  من رؤية محتويات الغرفة الاخرى ، اشار اليها بان تنظر الى الغرفة الاخرى ، استعت عيناها في صدمة ، حين رأت والدها يهذي بكلمات غير مفهومة و يهتز بطريقة مقلقة على الارضية ، صرخت بأعلى صوتها قائلة : ابي ، ابي ، ابي ، انا هنا لا تخف ، ابي انا هنا 

ضربت الزجاج بقوة صارخة بأعلى صوتها : ابي ، انا ليلة ، انا هنا ، ابي 

قال لها أدم بسخرية : وفري طاقتك لن يسمعك ، الزجاج عازل للصوت ، ما رأيك في المفاجأة ؟ أليس جميلة ؟ 

نظرت اليه ليلة شرزا ، و هاجمته بقوة صارخة به : أيها الشيطان 

كان ذلك أخر شيء توقعته أن يفعله ، ان تبلغ به الحقارة بأن يرعب والدها المريض بتلك الطريقة القذرة ، امسكها قبل أن تضربه و كتفها جيدا بتقول له بغضب : كيف جرأت أن تفعل هذا بوالدي ايها الحقير ؟ 

اجابها باستفزاز : العقد الذي جعلته امك العاهرة اوقعه يقول انه لا يحق لي أن امسك بأذى ، لن العقد لم يذكر شيئا عن والدك .. ترى ماذا افعل به ؟ ماذا افعل ؟ 

انتفضت ليلة باكية : ارجوك دعه يذهب ، ارجوك ... 

ابتسم بشيطانية : معك حق ، سوف أتركه في الشارع ليذهب 

هز رأسها نافية : لا ارجوك ، اتوسل اليك ، انه  مريض ، سوف تسوء حالته في الشارع ، اتوسل اليك دعه ارجعه الى دار الرعاية 

- هل أردت ان يحتفل مع ابنته الخائنة  بزواجها  من الرجل الذي كان سوف يدفع لها من اجل علاجه ، هل هذا ذنبي اني كنت افكر به ؟ قالها بسخرية ممزوجة بالتحقير ..

قالت باندفاع : لم اخنك ، لست خائنة ، لست خائنة 

صوتها اصبح باكيا و مقهورا بقوة ، و كأنه بفعلته تلك قد كسر أخر حصون قوتها ، و لم يبقى لها شيء تتكئ عليه 

أما هو فغدى ضعفها ذلك جبروتها و عزز من قوته ، شعر بانتصار المزيف ، لكن في لحظة ما ، شعر بنوع من الانزعاج ، صوتها الباكي لم يعد يطاق ، لم يعد يتحمل رؤيتها في ذلك المنظر ، و كأنه استعاد انسانيته للحظة ما 

اشار بيده الى رجاله بأن يأخدوا والدها ، استدارت و رأتهم يجرونه الى الخارج ، دفعت أدم بقوة ، و جرت نحو باب الغرفة لكنه كان مغلقا ، لتذهب نحو الحاجز الزجاجي و هي تصرخ : ابي ... لااااا .... ابي اتركوه .... ابي ... 

ذهبت اليها و حاول امساكها لكنها كانت تنتفض بقوة ، ليصرخ بها : توقفي و الا قتله 

توقفت عن المقاومة ، و شاهدت باب الغرفة الاخرى يغلق ، سألت أدم راجية اياه : الى أي اخدوه ؟ 

لم يجبها بل فتح باب الغرفة و جرها الى الغرفة السابقة ، كانت تسأله بلا كلل عن مكان والدها ، لكن كل ما تلقته منه هو الصمت 

رماها داخل الغرفة ارضا ، لتنظر اليه بقهر شديد و قالت له : ارجوك لا تؤذه ، انه لا يستحق ما فعلته به ، افعل بي ما تريد ، مزق ذلك العقد و افعل بي ما تريد ، لكن اتركه ... 

اخبرها بقسوة شديدة : لكنك انت السبب في مجيئه الى هنا ، انت السبب في حالته تلك ، لو لم تفعلي ما فعلته ما كان ليحصل له كل هذا 

قال ما قاله و تركها على وشك انهيار عصبي محقق ، لتندب حظها بصوت مرتفع ممزوج بالبكاء : كل هذا بسببي انا ، لو لم اوافق على هذه اللعبة ، لو لم اوافق على تمثيل دور ابنته ، و دخول عالمه ، ما كان كل هذا ليحصل 

شهقت بقوة و قالت مضيفة بقهر : سوف يتركه يموت لا محالة الان ، لن يرحم ضعفه و مرضه ، فذلك الشيطان قد نزعت من قلبه الرحمة 

 اذا كان قد تعلم شيئا في حياته ، فهو أن الالم النفسي أسوء من الألم الجسدي بكثير ، فالجروح الجسد سوف تشفى لكن جروح الروح سوف تبقى الى الأبد ، لكن لسبب ما كان هناك ألم كبير في صدره ، هل بالغ في هذه العقوبة ، يعلم مدى تعلقها بوالدها ، و مدى حبها له ، أنها وافقت على العمل معه فقط للحصول على أموال لعلاجه ، ترى متى قررت خيانته لصالح والدتها و زوج والدتها ، ذلك السؤال الذي ظل يطارده بقوة  .... و كذلك صورتها الباكية و نظراتها المقهورة ، في البداية كان مستمتعة بها لكنه فجأة لم يعد يريد ذلك  

حاول أن يطرد ذلك التفكير من رأسه فهو قد تعلم من  عمله أن من يفعل شيئا ما ، على عائلته كلها أن تدفع ثمن ذلك ، لكنه ضعف أمامها ، لاتزال تملك ذلك التأثير الذي لم يستطع غضبه و ألمه دفنه ... 

ذهب الى أحد الحراس و اخبره باقتضاب : خدوا ذلك الرجل الى مستشفى جيدة و اجعلوا طاقما طيبا محترفا يشرف على حالته 

هز الحارس رأسه موافقا على ما سمعه دون ان يبدي أي اعتراض  رغم شعوره بالفضول اتجاه اوامر رئيسه المتناقضة ، فقد بات معروفا الان مصير من يقف في وجه أدم مديتشي ...

----- 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفصل 12 من رواية الابنة المزيفة

الفصل 13 من رواية الابنة المزيفة

الفصل 14 من رواية الابنة المزيفة