الفصل 23 من رواية الابنة المزيفة



"جسدي الأن مجرد جثة هامدة هل لك أن تسامحي روحي الضعيفة "

لم يسمح له القدر بأن يصحح خطئه بل باغته في لحظة ظن فيها انه سيطر على كل شيء ، ظن أنه فاز أخيرا و بقي فقط  أن يخبرها انه ظلمها ، انه مخطئ ، انه ظالم ... 

كان مستعدا أن يجثوا على قدميه أمامها ، أن يرجوها أن تسامحه بل قد يتوسل اليها ، كان يحمل من الحب في صدره ما يجعله هو أدم مديتشي ينحني أمام سطوة عشقها ... 

لكن تلك الرصاصة وجدت طريقها الى صدره أسرع مما كان يتوقع ، تلك الرصاصة وجدت مسكنا لها بين أضلعه ، ربما وجدتها  هناك داخل قلبه ، ربما وجدت ليلة ... 

ممرضون يهرولون به بين أروقة المستشفى ، أطباء يستعدون من أجل ادخاله العمليات ، موظفون يتهامسون حول هوية الرجل الذي سحر ميلانو بقوته و جبروته ... 

الأن هو ملقى على سرير يجره العديد من الممرضين المرتعدين أن ذلك الرجل الذي كان يخيف أيا كان بنظرة واحدة ، جثة هامدة .. 

----------------------------------

لم يكن من السهل اخفاء حدث مثل هذا في ميلانو ، و خاصة أن مايكل لم ينوي اخفاء ذلك ، كان يود فقط ان يتأكد ان روحه قد فارقت جسده ، كي يعلن انه هو من قتله أما الان فقد اكتفى بنشر خبر اصابته بالرصاص ... 

بلغ أحد الحراس ذلك الخبر لسيلفيا التي لم تفارق سرير ابنتها ، كانت مصدومة للغاية ، و فورا أدركت ان والدها وراء ذلك ، ارتسمت ابتسامة رضا على وجهها و اقتربت من ابنتها أكثر متلمسة شعر ابنتها و همست لها بحب : سوف تصبحين حرة قريبا يا حلوتي ... سوف يموت ذلك الحقير عاجلا و سوف نتخلص من هذا الكابوس المزعج .... 

في ذلك الوقت كانت ليلة تعيش كابوسا من نوع أخر في عالمها ، فقد كانت تحلم بصوت والدها المنادي لاسمها 

* ليلا ... ليلا

كانت تتلفت حولها و تحاول معرفة مصدر الصوت كي تتبعه ، فجاة تشكلت خيالات سوداء مرددة : اذا كانت عائلتي قد ماتت ، فماذا على والدك أن يعيش ؟ 

لماذا عليه أن يعيش ؟ 

لماذا عليه أن يعيش ؟ 

كان صدى أصوات تلك الخيالات مخيفا ، كانت ليلة تحاول الهروب منهم ، لكنهم كانوا يلتفون حولها ، يضيقون عليها الخناق ، تود أن تصرخ لكنها فقدت صوتها ، تود أن تهرب لكن قدميها متجمدان في الارض ، الخيالات تقترب أكثر ، تبدوا أكبر حجما و أكثر رعبا ، و ليلة وحدها عاجزة في مواجهتها الى أن يبتلعها الأرض .... 

-----------------------------------------

ساعات طويلة قضاها أكثر تحت يد الاطباء ، يحاولون فيها انقاذ حياته ، بينما كان صديق عمره في الخارج يقطع الرواق مذهبا و مجيئا خوفا على صديقه ، لكنه في لحظة ما تذكر شيء ما : اللعنة ، اللعنة ، ابنته في القصر ... 

تحرك سريعا نحو سيارته و هو يخاطب نفسه : اهدئ يا ألكس لا أحد يعلم انها حية أصلا 

لكنه عاد و زجر نفسه قائلا : و لا أحد ايضا كان يعلم ان الفتاة في المستشفى و لكنهم علموا وقاموا باصابته ... 

كان يقود بسرعة جنونية ، و ما ان وصل حتى اقتحم القصر بهرولة شديدة مسرعا الى جناحها ، لم يقرع الباب بل دخل مباشرة ابتفضت ماريا من مكانها صارخة به : ماذا هذا بحق الجحيم ؟ 

من أنت ؟ و ماذا تفعل هنا ؟ 

ابتسم ألكس بسعادة بكونها بخير ، لكنها ظنته مجنونا ليقول لها : لا أعتقد اننا تعرفنا على بعضنا البعض ، في الواقع ما كان والدك ليعرفك بي ، و له اسبابه الخاصة .. 

نظرت اليه بحدة قائلة بصرامة : سألتك من تكون ، أجب و الا جعلتهم يرمونك خارج القصر 

تأملها ألكس للحظات قليلة ، كانت تبدوا مضحكة للغاية ، من الغريب كيف لم يلاحظ جمالها نهائيا ، ابتسم لها و هو يضبط انفاسه المتعالية : انا ألكس ، شريك والدك و صديقه الأقرب 

لم تصدق ماريا كلامه ، قالت بشك : أشك في هذا ؟ والدي لم يتحدث عنك نهائيا ؟ 

اعتصر قلبه ألما على ذكرها لوالدها ، هي لم تقضي معه سوى ايام قليلة ، كانت تستحق أكثر من ذلك ، شعر بالشفققة اتجاهها ليقول بنبرة متأثرة : و هل يتحدث والدك أصلا ؟ 

لانت ملامحها قليلا ، فذلك صحيح لقد لاحظت ان والدها لا يحب اكثار الكلام ، و قد فهمت ان تلك عادته ، قالت بملل و هي تعود الى مكانها : اذا ماذا تفعل هنا ؟والدي قد غادر بالفعل منذ الصباح ... ثم انه صديقك فأظن أنك تعلم ما يمر به 

نظر اليها بحزن و يحاول ان يختار كلماته بعناية : ماريا انت فتاة كبيرة و تعلمين ماذا يعمل والدك و ليس بحاجة لتوضيح ذلك لك

كانت تنظر اليه باستغراب شديد استرسل هو مجددا في الحديث :  والدك ...حسنا لقد طرأت ظروف ما و والدك سوف ينشغل لمدة يومين أو أكثر .. 

قفزت من مكانها و قالت بحيرة : فجأة ، من العدم ظهر هذا الانشغال ، اللعنة ماذا عن عروسه ؟ و لماذا لم يخبرني هذا الصباح ؟ 

زفر ألكس في ضيق : لا أعلم يا صغيرة ، كل ما أعلمه انه قام بتوصيتي أن أنقلك الى مكان أمن .. 

فكرت ماريا قليلا و قالت بمكر : قولت لي يومين ، حسنا انا موافقة ، لكن انا من ستختار المكان الأمن .. 

نظر اليها بريبة : أين تريدين الذهاب ؟ 

ردت ماريا بكل ثقة :  أريد الذهاب عند أمي ...

قضت ماريا نصف ساعة تقنع ألكس بتلك الفكرة و التي بدت له خطيرة للغاية خصوصا أنه هناك احتمال أن يعرف أحد بهويتها ، لكن عاد و فكر جيدا أنه في حالة اذا كان أدم قد حصل له شيء من الجيد أن تكون ماريا خارج البلاد الى أن تستقر الأوضاع ، بالاضافة انه لا أحد علم مكان كاميلا طيلة عشر سنوات ، بضعة أيام اخرى لن تضر ، قام ألكس باستدعاء أحد أقدم رجاله و أكثرهم تمرسا و أمره أن يقوم بتهريب ماريا الى المكان الذي حدده له ... لم تهتم ماريا حتى بتوديع ألكس او حتى شكره كل ما كانت تريده هو الوصول الى والدتها مهما كلف الثمن و الرجوع قبل عودة والدها من رحلة عمله المزعومة ، راقب ألكس السيارة التي تحملها و هي تنطلق بعيدا و قال لنفسه : لنجد ابن العاهرة الذي فعل بك هذا يا صديقي ؟ 

قبل أن يعود الى المستشفى نشر رجاله في كل محل و كل عمارة و كل بيت يحتوي على كاميرا تسجيل  حول المستشفى كي يجد الفاعل ، ذلك سوف يأخد قليلا من الوقت لكنه لازال يملك القليل منه فعندما عاد ألكس الى المستشفى كان أدم قد دخل العناية المركزة لوضعه تحت الرقابة ... 

تقدم احد حراس الأمن منه و قال له بنبرة متوترة : سيدي انا المسؤول عن حماية السيدة ميديتشي و ... 

انتفض ألكس من مكانه : هل استيقظت ؟ 

حمحم الحارس بصوت مسموع : لقد قدمت احدى الممرضات كي تأخدها لعمل بعض الاشعة لكنها لم تأخرت في ذلك ، و حين استشعرنا ذلك قمنا باقتحام قاعة الأشعة ولم نجدها 

صرخ ألكس بغضب : اللعنة ، اللعنة ، هل أنتم حمقى أم أغبياء ؟ ممرضة تافهة خطفتها أمام اعينكم و أنتم ظللتم تشاهدونها ... لازالت واقفا أمامي ، راجع كاميرات المستشفى و اعرف هوية الممرضة و ابحث عنها فورا ... 

هرع الحارس من أمامه ، فيما أمسك ألكس خصلات شعره بقوة : يا الهي سوف أجن ، اللعنة ، اللعنة ، من فعل هذا بأدم هو نفسه من خطف زوجته .. علي ان اجده قبل ان يستيقظ أدم ... 

------------------------------------------------

جلست سيلفيا أمام والدها تطالعه بتحدي : و تقول ان خوان مجنون ، و انت تحاول قتل ميديتشي في منتصف النهار ...

اغلق الملف الذي أمامه و نظر اليها بجمود : أريد فقط ان تظلي انت و ابنتك بخير .. 

نهضت سيلفيا و احتضنته مقبلة اياه بقوة و قائلة بحب : هي حفيدتك أيضا أبي ، ليس ذنبها أن والدتها اختارت الرجل الخطأ من أجل ان يكون والدها ، لا تجعلها تدفع ثمن خطأ لم ترتكبه 

ربت روبيرتو على يدها قائلا : سوف اراها عندما تتحسن .. 

ابتسمت سيلفيا برضا تام عن كلام والدها .... 

----------------------------------------------------------

فتحت عينيها بتثاقل شديد ، شعرت بأن الضوء شديد على عينيها لذلك اجفلت مرات عديدة كي تعتاد على انارة المكان ، نظرت حولها و هي تحاول أن تتعرف على المكان ، شعرت بألام شديدة و صداع رهيب ، و بسرعة زحف الى ذاكرتها ما جعلها تقدم على الانتحار، بدأت في الانتحاب مجددا ، لكن سيلفيا كانت قد دخلت و رأتها على تلك الحالة ، مسحت على شعرها و احتضنتها اليها : عزيزتي هذه انا سيلفيا ، امك ، انت في ايادي أمينة ، لم تعودي في سجن ذلك الوحش .. 

همهمت ليلا بألم : لقد قتله ، لقد قتله ، لقد قتل أبي ، لماذا فعل ذلك به ؟ أبي لم يفعل شيئا له ... 

تعالت شهقاتها أكثر و أكثر ، لتنادي أمها الممرضة التي قامت بتهدئتها بمسكن ما ، تراجعت سيلفيا الى الخلف قليلا و هي تفكر في ما حدث لحبيبها السابق ، ألفريدو ، ذلك كان اسمه الذي لم تشأ أن تنطقه منذ هربت من جحيمه ، لكنها تشعر بالحزن ، تبدوا ابنتها متعلقة به للغاية ، تخيلت لو كانت هي من ماتت ، هل كانت ليلة لتحزن عليها مثل ما هي حزينة على والدها ، لقد اخبرها الطبيب المعالج انها حاولت الانتحار ، لهذه الدرجة كان والدها يعني العالم بالنسبة لها ، فبرحيله لم تعد تهتم بأحد .... 

انسابت أحد الدموع على خديها و هي تحاول ان تقاوم رغبتها في البكاء ، دخل مايكل الى الغرفة ووجدها في تلك الحالة سألها بقلق : مابك ؟ ابنتك بخير ؟ 

مسحت سيلفيا دموعها بسرعة و تصنعت القوة كعادتها : نعم هي بخير ، في الواقع هي قد استيقظت قليلا ، لكنها لازالت في حالة نفسية سيئة ... 

هز رأسه متفهما : ستتحسن مع الوقت ، لا تقلقي 

نظرت اليه بشك قائلة : ما انا قلقة بشأنه هو ألا يموت أدم و يرسلك الى قعر الجحيم

ابتسم لها قائلا : انت امرأة ذكية ، لن أحاول حتى اخفاء الموضوع عنك ، كان علينا الانتهاء منه الى الأبد كي نضمن أنك و هي بأمان.. 

حاوطت نفسها بيديها و قالت بأمل : اتمنى ذلك ، لقد كان كابوسا مرعبا ... لكن ماذا ان لم يمت ؟ 

ابتسم مايكل بثقة قائلا : حينها سوف ننتقل الى خطتنا التانية ...

-------------------------------------------------

مر يوم أخر ، و بدأ أدم في الاستيقاظ من نومه الطويل ، هاجمته الألام دفعة واحدة لكنه تحمل و فتح عينيه و أول ما نطق به كان اسمها: ليلا.. 

استوعب ما حصل له ، و بدأ في تفكيك كل الأجهزة من حوله  ، هرعت الممرضة كي تحاول ايقافها ، و بقبضة قوية أمسكها و همس بصوت حاد : ليلة 

---------------------------------

كان ألكس عائدا الى المستشفى ، حين وجد الطبيب المشرف عل حالة أدم مهرولا عنده و هو يصرخ : مصيبة يا سيدي ، مصيبة ، السيد ميديتشي..... 

----------------------------

بعد مرور ساعات قليلة ،كان الخبر قد انتشر  بالفعل ، ميلانو بأكملها كانت تعلم أن أخر وريث لعائلة مديتشي قد توفي ، البعض حزن من أجله فقد خسر عائلته منذ أسابيع قليلة فقط ، و البعض كان فضوليا ليعرف الى أين ستؤول كل تلك الثروة الضخمة ، و هناك طبعا من كان سعيدا بذلك و منهم سيلفيا التي لم تخفي سعادتها تلك .... 

كانت ليلا قد استيقظت للمرة الثالثة ، هذه المرة لم تنتبها حالة البكاء الهيستيري التي سبقت المرتين السابقتين ، كانت شاردة في الفراغ، تعيد كلماته تلك التي دمرت ما بقي بها ، تمنت لو كانت قد ماتت ، على كل حال فحياتها الأن بلا معنى ... 

لم تشعر بالامتنان اطلاقا لوالدتها فالنسبة لها هي سبب كل هذه المشاكل  ، كان اهون لها لو ماتت مع عائلته في تلك المذبحة ، ربما لم يكن ليقتل لوالدها ، بالعكس ربما كان شعر بالشفقة عليه و عالجه ... 

اغمضت عينيها بقوة و هي تحاول ان تكبح نفسها من التبرير ، يكفي ما بررته له طيلة شهر مضى ، يكفي ما فعله بها ، و يكفي أنه سلبها اغلى شخص في حياتها ، ليذهب هو و حبها له الى الجحيم ، في تلك اللحظة دخلت سيلفيا مبتسمة و قالت بنبرة مرحة : أحمل لك أخبارا رائعة 

ردت ليلا بسخرية بصوت مبحوح : هل عاد والدي من الموت ؟ 

انزعجت سيلفيا من تعليق ابنتها لكنها حافظت على ابتسامتها قائلة : لقد مات زوجك العزيز ... لقد تحررتي يا حلوتي ... 

قشعريرة انتابت جسد ليلا ، و للحظة شعرت بصدمة شديد فردت بشكل لا ارادي : كيف ذلك ؟  و كيف مات ؟ 

بالتأكيد لن تخبرها سيلفيا أنه قد تم اصابته برصاصة في منتصف صدره ، لتقول بدبلوماسية : حقيقة لم أهتم كثيرا ، أعتقد انه حادث أو شيء من هذا القبيل ، لكن أليست سعيدة بالتخلص منه ؟ و الأفضل من كل هذا سوف تكونين وريثة ال مديتشي ، و كل شيء سوف يؤول الى اليك .. ثروته لا تعد و لا تحصى ..

نظرت اليها ليلا بتقزز من تفكيرها المادي و هي في هذه الحالة السيئة : هل تستطيع تلك الثروة ان تعيد أبي ؟ اذن فهي بلا فائدة ، أريد ان انام أشعر بارهاق شديد 

اقتربت سيلفيا منها و قبلت رأسها قائلة : حبيبتي أعلم ما تمرين به ، و لكن صديقني سوف تفتحين عينيك يوما ما و سوف ترين ما أراه الأن ، أحلاما سعيدة 

خرجت سيلفيا و استدارت ليلا الى الجانب الأخر هامسة لنفسها : مستحيل ان يكون قد مات ، رجل مثله الموت يخاف الاقتراب منه ..

--------------------------------





تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفصل 12 من رواية الابنة المزيفة

الفصل 13 من رواية الابنة المزيفة

الفصل 14 من رواية الابنة المزيفة