الفصل 24 من رواية الابنة المزيفة



" أدركت فقط بعد فقدانك أني كنت مهووس بك " 

مرت ليلة هادئة على ميلانو ، لكن لم تكن هادئة على ليلا ، كانت تشعر بضيق شديد لا تعرف ماهيته ، حسنا لقد مات هذا ما يستحقه ، هذا ما كان يجب أن يحدث ، لكن لما عليه أن يموت ببساطة هكذا ، لما لم يدفع ثمن كل ما فعله بها ، لما حتى الموت سهل بالنسبة له ، تمنت لو ظل حيا فقط كي تنتقم منه ، كانت لتفعل أي شيء من أجل أن يتجرع نفس الكأس التي اسقاها منه ... 

فكرت في مستقبلها ، و فيما عليها أن تفعل بعد أن تتحسن حالتها ، فكرت في التنازل عن أمواله من أجل والدتها شرط ان تتركها و شانها و لا تبحث عنها مجددا ، و تحتفظ بمبلغ قليل يكفيها للسفر من البلاد كلها ... 

ذهبت ذاكرتها الى ذلك القصر الذي يقبع في لاهاي ، لقد أحبته كثيرا ، ربما تحتفظ به و تبقى هناك لما بقي من حياتها ... 

نفظت تلك الفكرة من رأسها فكيف لها ان تبقى في قصر قاتل والدها ، و تراجعت عن تلك الفكرة على الفور ... 

كانت النافذة قريبة منها لتتأمل السماء و تتنهد في صمت حمل الكثير من الألم ، فهي الأن وحيدة في هذا العالم الكبير تحمل في قلبها جروح لن تشفى مدى الحياة ... 

على الجانب الأخر كانت سيلفيا تشرب بسعادة و هي تجالس مايكل لتقول له : أريدك ان تبدأ في اجراءات السفر فورا ، سوف نرحل انا و ليلا بمجرد أن تتحسن .. 

ابتلع قليلا من كأسه و قال : ألا تردين البقاء الى حين توزيع تركة أدم و أخد ليلا حقوقها ... 

أشارت بيدها بلامبالاة : يستطيع المحامي مباشرة كل شيء سوف نقوم بعمل توكيل له ، لكني سعيدة للغاية لأول مرة في حياتي انا أحصل على كل ما أريد و أكثر .. 

ابتسم لها مايكل باقتضاب : ذلك جيد ، هل قمت بالتحدث الى السيد دالاس بشأن موضوعي ؟ 

كانت تشرب فتوقفت مباشرة مهمهمة : نعم ، نعم لقد أخبرته ، و ضغطت عليه قليلا بموضوع ميديتشي ، هو مقتنع نسبيا بأن بقائك حاليا أمر ضروري .. 

ابتسم مايكل بسعادة و تجرع ما بيده دفعة واحدة ،ضربته على يده قائلة : ما الذي تفعله هنا يا رجل ، اذهب الى حانة ما او الى نادي ليلي بدل ان تبقي حبيس البيت مع امرأة عجوز مثلي 

حافظ على ابتسامته و قال مجاملا : لست عجوزا يا سيلفيا لازلت شابة ... 

أشارت بيدها بأن يذهب : اغرب عن وجهي هيا ، جميلات ميلانو ينتظرنك ... 

خرج من غرفتها بينما ظلت هي تشرب في سعادة شديدة غير مدركة لما ينتظرها في الأيام القادمة .... 

----------------------------------------------

مر يومان أيضا ، استطاعت فيهما ليلا التحسن قليلا من الناحية الجسدية ، اما نفسيا فكانت مدمرة كمدينة حل بها الحرب فلم تتركها الى رمادا ، كانت كل محاولات سيلفيا تبوء بالفشل مع ابنتها ، فليلا كانت تغرق في اكتئاب لا حد له ، لو فقط ركزت والدتها لعلمت انها تمر بما مرت هي ، لكن غرور سيلفيا كان أكبر من تعترف لنفسها بذلك ، فذلك الماضي كانت تعمد الى اخفائه و دفنه و عدم استحضاره حتى بينها و بين نفسها ... 

---------------------------------------

كانت سيلفيا تتفقد ليلا للمرة الأخيرة قبل الذهاب الى غرفتها ، زفرت في ضيق شديد لكونها تفشل في كسبها الى صفها ، فهي حتى الأن لم تقل لها سبب انتحارها ، و هل هو بالفعل بسبب موت والدها ، فهذا ما استنتجته سيلفيا دون ان تتحدث ليلا ، و ماذا حدث تحديدا في الايام القليلة التي قضتها ليلا في قصر مديتشي ، و السؤال الأهم كيف اجتمعت بمديتشي في المقام الأول و لماذا تمثيلية انها ابنته ، كل هذه الأسئلة و أكثر كانت تدور في عقل سيلفيا و تود اجابة لها و الأهم تود أن تتقرب من تلك الصغيرة و تكسر ذلك الحاجز الذي بنته بهجرانها لها ، ربما سوف يأخد الأمر وقتا طويلا ، لكنها لن تستسلم حتى تحبها ابنتها 

 القصر كان خاليا تماما ، الخدم قد خلدوا الى النوم و الممرضة قد عادت الى منزلها ، مايكل و والدها ذهبوا الى عشاء عمل مهم و بقيت هي و ابنتها فقط 

 دخلت الى غرفتها متعبة و خلعت كعبها لتتبين أن أحدهم كان بالغرفة ، جالسا على أحد الكراسي تحديدا ، قامت باشعال الضوء مباشرة لقد ظنته مايكل قد عاد و يود اخافتها ، لكنها صدمت بشدة حين رأته أمامها ، حتى في أسوء أحلامها لم تتوقع أن تبلغ به الجرأة أن يصل على غرفتها ، كانت على وشك الهروب من أجل طلب النجدة الا أنه كان أسرع منها و امسكها من ذراعها جاذبا اياها الى الداخل مزمجرا بها : ليلا ، أريد ليلا .. 

كانت عيناه أكثر قتامة و ملامح أشد قسوة ، و رغم الخوف الذي تملك سيلفيا الا أنها قاومت بشدة صارخة به : انت لا تعلم مع من تعبث يا هذا ؟ 

أمسكها بقبضته من عنقها " لا يهمني من تكونين أيتها العاهرة أريد زوجتي الأن "

كادت أن تختنق تحت ضغط قبضته ، لتركها لتقع أرضا أمامه ، نظر اليها بتقزز قائلا : سوف اخد زوجتي و أخرج من هنا ، لكن هناك حساب سوف تدفعينه انت و الكلب المطيع الذي تربينه .. 

في تلك اللحظة سمعت سيلفيا صوت اطلاق النار ، لتهرع الى النافذة و ترى كل حراس والدها يقتلون ، قال لها أدم بسخرية : هكذا تمت تصفية عائلتي ، لكن عائلتك تستحق تصفية من نوع أخر .. 

التفت اليه سيلفيا صارخة به : سوف تدفع ثمن هذا ، و ان كنت رجلا دعني أعيش فقط و سوف ترى ما سوف تفعله هذه المرأة بك 

كان قد وجه سلاحه الى وجهها الى بالفعل لكن لمعت عيناه  فجأة قائلا بشر خالص : معك حق ، تستحقين موتا شبيها بموت زوجك ، لقد عانى كثيرا خاصة عندما قتلنا أولاده أمام عينيه 

ارتبكت سيلفيا من كلامه ذلك ، اقترب منها قائلا : اذا كنت تردين جمع اشلاء والديك في أكياس سوداء جربي أن تقفي أن تقتربي من زوجتي مجددا ... 

استفزها أدم كثيرا ، فقالت بحدة : زوجتك التي فضلت الموت على النظر في وجهك أيها القذر .. 

لم يتحمل أدم تلك الكلمات منها فصفعها بقوة ، أسقطها أرضا و أغمي عليها ، بصق عليها بقرف ، و تحرك نحو الغرفة التي تقبع بها  ليلا ، كانت نائمة مثل الملائكة ، لقد تغيرت ملامحها منذ أخر مرة رأها فيها ، باتت أكثر حيوية  ، و دبت فيها الحياة ، كان قلبه يدق بسرعة شديدة كلما اقترب خطوة منها ، انحنى بجذعه نحوها و قبل رأسها بحب ، همهمت ليلا في ضيق : اذهبي للنوم و اتركيني .. 

همس لها بشوق شديد : لن أتركك مجددا مهما حصل يا حلوتي ... 

فتحت ليلا عينيها في ثقل ، رأت وجهه المحذق بها ، لم تتحمل أعصابها الصدمة و لم تقل أي شيء سوى أنها قالت بهلع شديد : انت ميت ، لقد مت ...

 و قبل حتى أن تصل يده اليها كانت قد نامت مجددا ، ابتسم باقتضاب قائلا بسخرية : كنت أتوقع استقبالا أخرا يا زوجتي العزيزة ، لكن لا بأس يكفي أنك معي يا ليلتي .. 

حملها بين يديه بعد أن وضع عليها غطاءا فقد لاحظ انها ترتدي منامة قصيرة ، و ذلك ازعجه كثيرا ، كان يحتضنها الى صدره بتملك شديد و كأنها سوف تخطف منه مجددا ، لم يكن ليتحمل ذلك ، لقد كبح نفسه بقوة في اليومين الماضيين كي لا يقتحم هذا القصر ، حتى يرتب أموره و يعلم نقاط ضعف عدوه جيدا ، و هذه المرة لقد دخل لاعب جديد الى السباق و هو مايكل و قد وجد معلومات قيمة عنه و سوف يكون سعيدا باستخدامها ضده ... 

وضعها في السيارة و قاد بها عائدا الى قصره تحت حماية جيش من حرسه، كانت يختلس النظر كل دقيقة بل كل ثانية ، لقد بات مهووسا بها و كأنها خلقت له فقط ، لو قال له أحدهم منذ أشهر قليلة أنه سوف يقع في الحب الى درجة الهوس كان ليقول له أنه مخبول، فحتى كاميلا لم يحبها الى هذه الدرجة في أوج علاقتهم ...همس أدم بتعب : ماذا فعلتي بي أيتها الساحرة الصغيرة ؟ 

وصل الى القصر و حملها بحذر الى غرفته ، وضعها على سريره و ضمها الى صدره بقوة ، الأن فقط شعر بالراحة ، لم يود التفكير فيما يتنظره معها ، فهي بالتأكيد لن تسامحه بسهولة على تزييف خبر موت والدها ... 

اغمض عينيه و هو يتذكر ما حصل في اليومين الماضيين 

كان يرتدي ملابسه مستعدا للخروج حين حضر ألكس ، أخبره بقلق : ماذا تفعل أيها المعتوه ، لم تصب بنزلة برد ، بل هي رصاصة لعينة استقرت في صدرك و كادت أن تقتلك ... 

قال أدم بضيق : ابنتي و زوجتي بخير ؟ 

اصفر وجه ألكس و لم يجد ما يقوله ، نظر له أدم بحدة صارخا به رغم ألمه : تكلم ، هل هما بخير ؟هل استيقظت ليلا ؟ 

قال ألكس بصوت خافت : هما بخير ، لكن لا زوجتك في المستشفى ، ولا ابنتك في القصر ... 

امسك أدم صديقه من ياقته بقوة رغم تعبه : ماذا الهراء أين هما ؟ 

حاول ألكس تجميع شجاعته من أجل قول كل شيء دفعة واحدة : حسنا ، ليلا م اختطافها حين غادرت انت المستشفى قامت احدى الممرضات بأخدها لعمل اشعة و هربتها ، و ابنتك قمت بجعلها تسافر الى أمها لأنني كنت خائفا أن يحصل لك شيء سيء و يكشف أحد وجودها ، وفكرت انه بما أن لا أحد اكتشف أن كاميلا في تلك  المصحة العقلية منذ سنوات عديدة ، فلا احد سوف يكتشف أن ابنتكما هناك ... 

تركه أدم و أمسك بخصلات شعره و قال بحدة : هل ماريا بخير ؟ وصلت الى هناك ؟ 

هز ألكس رأسه موافقا و قال بثقة : هي بخير تماما ، لقد أرسلت معها أحد الرجال الذي اثق بهم .. 

نظر أدم اليه بحدة و قال : و ليلا هل لديك أي معلومات عنها ؟ 

اخبره ألكس بأسف : أنا أعمل على الأمر لا تقلق .. 

فكر أدم قليلا ثم قال ببرود : أنشر خبر موتي فورا 

نظر اليه ألكس بصدمة : هل جننت ؟ علينا اعلان أنك بخير ثم القبض على العاهرة التي قامت بخطف زوجتك ... 

أكمل أدم ارتداء معطفه بصعوبة و قال بجدية : نفذ ما أطلبه و فقط ، انا أعلم جيدا من وراء هذا ، لكن هناك خيط ما حرك كل شيء ، روبيرتو و ابنته اغبى من أن يضعا خطة جيدة بتوقيت مناسب مثل هذا ، يحتاج الأمر احدا لديه خبرة في هذه القذارة ، و يجب أن أبقي في الخفاء مدة يومين كي أعلم من هو ... 

هز ألكس رأسه بتفهم و رد بطاعة عمياء : كما تريد ، سوف أنشر الخبر فورا 

اضاف أدم بعملية : قم بتأمين الطريق لي للخروج من هنا دون أن يراني أحد ، و أخبرهم ان يقوموا بكل اجراءات الوفاة حتى تكون هناك مصداقية للخبر 

 قال ألكس موافقا : معك حق ، سوف أقوم بذلك  الأن 

كاد يخرج لكن جملة قالها أدم ، جعلت الدم يحتبس في عروق ألكس : بعد أن نعرف من هو ابن العاهرة هذه ، سوف تسافر عند ابنتي و تبقى معها ، لا أثق بسواك في هذا الموضوع  ... 

هز ألكس رأسه بتردد و خرج ، لا يعلم ما خطبه اتجاه تلك الصغيرة ، انها طفلة فقط ، لكنها تملك ذلك الذكاء و الخبرة التي جعلاه مبهورا بها و لا ننسى طبعا جمالها ... 

قضى أدم تلك اليومين في البحث عن الشخص الذي وراء خطف ليلة ، و ها قد وجده ، المدعو مايكل ، لقيط احضره روبيرتو من أجل ان يقوم بكل الاعمال القذرة خارج البلاد ، لكنه وجد أمرا أخر بعد أن دفع لمديرة دار الايتام الذي كان يقبع بها مبلغا جيدا ، ان والده مايكل تخلت عنه لأنها كانت على علاقة برجل متزوج و ذو منصب كبير و لم يكن ليعترف بنسب مايكل اليه ، أخد أدم اسم والدته و استطاع معرفة أنها قد ماتت منذ سنوات دون ان يعرفها مايكل أو حتى تحاول التواصل معه ، و قد أخبرت ابنة أختها أن روبيرتو هو والد ابنها ، و هي معلومة كلفت أدم بعض الالاف من الاورو لكنه لا يهتم مدام انه قد حصل على ما يريد ... 

سافر ألكس مباشرة بعد هذا ، و بقي أدم يخطط لهجومه على قصر دالاس بدقة ، و لقد ود كثيرا لو أنه تواجه مع ذلك الموعو مايكل ، لكنه يحتفظ بورقة رابحة في يده و سوف يتسمتع أكثر بانتقامه على نار هادئة 

نهاية الفلاش باك 

-------------------------------------------

شعر بحركتها الطفيفة ، فعاد الى الواقع من تفكيره ، و مشط شعرها بحب شديد ، يود أن يدخلها بين أضلعه من شدة عشقه لها ، لو فقط تعلم ما حل به في الأيام الماضية ربما أشفقت عليه و سامحته ، صحيح أنه كان قاسيا عليها و حكم عليها ظلما لكنها عليها أن تعذر ان الحياة لم تكن عادلة معه ، و انه يعيش بنصف روح منذ دفن والديه .. 

لكن يبقى السؤال هل سوف تعذره فعلا ام أنها سوف تسقيه من نفس الكأس التي تجرعت منها ؟ 

-------- 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفصل 12 من رواية الابنة المزيفة

الفصل 13 من رواية الابنة المزيفة

الفصل 14 من رواية الابنة المزيفة