الفصل 30 من رواية الابنة المزيفة
-------------------------------------------
انشغل أدم مع ألكس بعد ان ودع ابنته بعد الغداء ، كان هناك العديد من الصفقات التي يجب ان تنتهي في موعدها ، و كان أدم رجلا لا يعبث بشأن عمله ، خاصة أنه خسر الكثير و يود أن يؤمن مستقبلا جيدا لابنته و لزوجته ..
زوجته ... تلك المرأة التي رقصت على أوتار قلبه كما كتب لها في أحد المرات ، أخرج تلك الورقة التي كتب فيها ذلك ، و تلك الرسمة التي رسمها فيها في رحلة القطار ، لقد قرر أن يقدمهما لها حين يعترف لها بالحقيقة حين يعود ليلا ، وهذه المرة سوف يقوم بايقاظها حتى لو كانت نائمة ، هو لم يعد يحتمل كل هذا ...
-------------------------------------------------------------
حاول روبيرتو كثيرا مع مايكل لكنه كان رافضا للحديث معه بأي شكل ، لكنه كان مصرا للغاية ، و لن يرحل قبل أن يستعيد مايكل ، هذا الأخير الذي كان جالسا في بار يتجرع حسرته و ألمه مع تلك الكحول ، اهتز قلب روبيرتو و هو يرى ابنه في تلك الحالة لكنه لم يرد أن يبان عليه ضعفه ، جلس بجانبه و طلب كأسا من النبيذ ، تجرع مايكل ما بقي في كأسه دفعة واحدة و قال بسخرية : هل اشتقت لي يا ... يا والدي ؟
ابتسم روبيرتو قائلا : هل سيفاجئك ان قولت لك نعم ..
نظر اليه مايكل بعينين محمرتين قائلا : بل سوف يشعرني بالتقزز فقط ، ارحل من هنا ، مكانك في ذلك القصر مع ابنتك الشرعية و ليس مع لقيط من عاهرة ...
ابتلع روبيرتو غصته تلك و قال بنبرة جادة : اذا كنت لن تسامحني فهذا حقك ، انا مدين لك بكل شيء يا بني ، ربما لم أمنحك اسمي ، لكني منحتك مكانا في قلبي ..
هز مايكل رأسه في سخرية : نفس المكان الذي يمنحه مالك لكلبه الذي يحرسه ...
صحح له روبيرتو ذلك قائلا : بل لملاكه الذي يحميه ، لولا وجودك في حياتي لما كنت سوف أعيش كل السنوات الماضية ، كما قولت أنا مدين لك ، لكن ألا تعتقد أنك تظلم سيلفيا بما تفعله ، تلك المرأة المسكينة التي سوف تموت قهرا على ابنتها ، هي ليس لها أي ذنب ..
تجرع مايكل كأسا أخر بغضب شديد ، و هو يفكر في شقيقته تلك ، هي المرأة الوحيدة التي احتضنته دون أن تشعره بأي فرق بينهما ، لطالما عاملته بحب أخوي ، كان روبيرتو يقرأ ملامح مايكل التي بدا عليها التأثر بكلامه ، فهو يعلم أن لسيلفيا مكانة خاصة في قلبه ...
تصنع روبيرتو النهوض ، ليقول مايكل بحدة : انتظر ، انا ليس أب ، لقد عشت هكذا و سوف أموت هكذا ، و بعد أن أعيد ابنة سيلفيا لن يربطني بك أي شيء ...
هز روبيرتو رأسه موافقا على كل ما قاله ابنه ، هذا المسكين الأخير الذي لا يدرك ماذا يدور في رأسه والده
----------------------
ما ان دخل مايكل الى القصر حتى اندفعت سيلفيا الى أحضانه بقوة ، قائلة بعتاب : كيف تختفي هكذا أيها الأحمق و تتركني لوحدي ، ظننتك تعتبرني أختك حتى بدون أن تعرف الحقيقة ...
ربت على رأسها قائلا بارهاق : انا هنا الأن يا عزيزتي ، لا تقلقي سوف نجد حلا ما و نسترجع
انتفضت من حضنه بحماس شديد قائلة : لقد وجدت بالفعل طريقة ، لكنني احتاج مساعدتك ، لا يمكنني فعل ذلك لوحدي ، ارجوك
ابتسم هو باقتضاب قائلا : سأدعمك دائما ...
جلست سيلفيا تحكي لمايكل ما عرفته من ابنتها ،تفاجأ قليلا و طلب منها ان تتأكد من معلوماتها تلك ، فأجبته بانها متاكدة ، قال بمنطقية : رأس ابنته مقابل رأس ابنته ..
فكرت قليلا قائلة : و كيف سوف نحصل على رأس ابنته ؟
نهض من مكانه و هو يعدل من هندامه قائلا بعملية : سوف اتولى الأمر ...
هزت رأسه بالموافقة و قالت بامتنان : شكرا أخي ... لا أعلم ماذا كنت سأفعل من دونك ..
لم يجد ما يقوله ، ربت على كتفها بحنو و خرج ، هو في موقف صعب للغاية ، لقد وقع حرفيا في بين نارين ، نار قلبه المتحرق بألام مبرحة من خيانة والده له ، نعم فاخفاء حقيقة أنه والده تعتبر خيانة ، و نار تعلقه بشقيقته ، فلقد كانت بمثابة أم له ، اغمض عينيه في محاولة منه كي يضبط نفسه و يقوم بهذه المهمة الأخيرة ...
--------------------------
منذ أن عادت ماريا من بيت والدها و هي تشعر باختناق شديد ، لقد ظنت أنها سوف ترى ألكس مرة أخرى ، لكنها لم تفعل ، هي تعلم أنه صديق والدها ، و انه أكبر منها بأكثر من اثني عشر سنة ، لكنها تشعر بمشاعر اتجاهه ، لقد كانت سعيدة للغاية باقامته معها و والدتها في الفترة الماضية ، تذكرت ذلك الشعور الذي غمرها حين احتضنته لأول مرة ، لم تعرف كيف تصف ما حل بها ، لكنها أحبت ذلك الشعور ...
فكرت قليلا في التسلسل الى الخارج لاستنشاق بعض الهواء ، كانت قد بدأت بالشعور بالضيق من تلك الحراسة التي يضعها والدها عليها دائما ، لذلك تسلسلت دون ان يراها اي من الحراس ، تود ان تشعر بطعم الحرية قليلا ، فهي لم تشعر به أبدا في حياتها ، من ظلمة دار الدعارة الى سجن كارلو الى القلعة المحصنة التي حاصرها بها والدها ، تنفست الصعداء و هي تمشي في طريق جانبي بعد أن ابتعدت عن الفيلا التي تسكن بها مع والدتها هذه الأخيرة التي لابد أنها غطت في نوم عميق ، بدأت ماريا في الجري قليلا و هي تبتسم ببلاهة على ما تفعله ، فقد كان كل هذا بالنسبة لها مستحيلا ، لكنه تحقق ، لم يبق لها سوى أن تجمع والديها مرة أخرى ، و هذا سوف يحصل قريبا زوجته تلك سوف تهجره عاجلا أم أجلا بعد ان سمعته ، للحظة بدت لها أنها حياتها قد اكتملت و لم يعد ينقصها أي شيء ...
لكنها لم تكن تدري شيئا عن ذلك الذي يراقبها في صمت في سيارته ، ابتسم بانتصار قائلا : كم أحب الارانب التي تأتي الى المصيدة... حتى الرب يريدني أن أختطفك ...
مشى بسيارته خلفها ، أشار بيده الى رجله الى كان جالسا في الخلف كي يستعد ، هز الرجل رأسه موافقا ، اقتربت السيارة من ماريا التي ما ان أحست بها حتى سارعت الخطى لكن ذلك الرجل كان أسرع بكثير ، و استطاع السيطرة عليها من تخبطها ذلك ، وضع المنديل المخدر على فمها و غطت في نوم عميق ، نظر اليها مايكل بعد ان وصلوا الى أحد المستودعات قائلا : لم أعتد على ان تسير الأمور بهذا اليسر ، كان يلزمني خطة حتى اختطفك قبل أن الصباح ، لكن الرب يقف دائما بجانب اللقطاء أمثالي ، ترى ماذا كنتي تفعلينه في الخارج أيتها الصغيرة ؟
--------------------------------------------
عاد أدم الى البيت مبكرا ، و استطاع ان يعرف من ضوء غرفتها انها لازلت مستيقظة ، فتح الباب بشوق و لهفة شديدة ، وجدها جالسة تتأمل أحد الصور التي تجمع والديه مع بعضهما البعض ، وققف ورائها دون أن تحس ، لتسأله بصوت خافت : هل تشتاق لهما ؟
همس لها بصدق و هو يقترب منها : جدا ، اتعلمين شيئا ،لقد احباكي كما لو كنتي من دمهما
أشارت بيدها بأن يبقى بعيدا قائلة باقتضاب : و انا احببتهم أكثر مما احببت مِمَن دمي ، لكن ذلك الحب لم يكفي أليس كذلك ؟ الحب لا يكفي ...
زفر في قلة حيلة قائلا : بالنسبة لي كان أكثر من كاف ، و بالنسبة لهما أيضا .. لقد أرادا منحك العالم كله ...
قاطعته بنوع من التلميح المبطن : كلا ، أرادا أن يمنحا ابنتك العالم و ليس أنا ...
و أكملت بسخرية : أنا زوجتك فقط الأن ...
ابتلع ريقه في وجل ، كور يديه في محاولة منه بأن يجد أي كلمات يقولها : اسمعي يا ليلا ، انا ... أنا .... أنا رجل مافيا ، ولدت هكذا ، لم أختر عالمي هذا ، و لم أختر أن أكون هكذا ، لم اختر اي شيء في حياتي ، أنت كنتي اختياري الأول في الحياة، أول شيء أردته بشدة ، و الانسانة الوحيدة التي شعرت معها أن قلبي يخفق للمرة الأولى ، لكنني بغبائي و تهوري أضعتك من يدي ...
تنهدت ليلا في ضيق شديد : طبعا طبعا ، و ليلا الغبية سوف تصدق ما تقوله كالعادة و تهرع الى أحضانك كالطفلة الساذجة ، لقد أحرقت روحي بأفعالك ، ما في صدري ما هو الا رماد بفضلك الأن ...
كاد أن يقول شيء لكن طرقا على الباب أزعجه ، أذن أدم بالدخول ، لتقول الخادمة بلهاث شديد : سيدي هناك أمر ما قد حدث ...
اقترب منها حيث همست في أذنه شيئا ما ، ظلت ليلا تحاول الاستماع لكنها لم تستطع ، لكنها قرأت من تغير ملامح أدم أن هناك مصيبة ما ، و بطريقة ما أحست بتورط والدتها فيها ...
-----------------------------------------
وصل ادم على عجل تلك الفيلا و وجد كاميلا منهارة في موجة من البكاء الحاد حاول أن يستفسر منها ما حدث ، لكن كل ما استطاع معرفته هو أنها استيقظت في منتصف الليل من أجل ان تطمئن على ماريا ، لكنها لم تجدها في أي مكان في البيت ، راجع كاميرات المراقبة و رأها و هي تتسلل خارجة ، لعن نفسه مئات المرات و أرسل رجاله للبحث عنها ، تحدث مع ألكس الذي كان في حالة من الصدمة و بدأ رحلة البحث أيضا ، و بينما هم هكذا ، كان أدم يفتش في غرفة ابنته عن أي شيء يمكنه أن يدله على مكانها ، سمع صوت هاتفها ، كان رقما بدون اسم ، رد بسرعة ، ليسمع صوتها الضاحك : هل تبحث عن شيء ما سيد ميديتشي ؟
زمجر بها قائلا : أقسم أنني سوف أحرقك حية ان لمست شعرة من ابنتي ...
قالت له بلؤم : حقا ؟ اذا ابنتك انت خط أحمر و ماذا عن ابنتي المسكينة ؟
قال بغضب : ابنتك التي هجرتها ، دعي عنك هذه الأمومة المزيفة ، فهي لا تليق بك ....
استفزها قوله ذلك لتقول : جملة واحدة تفصل بيننا ، ابنتي مقابل ابنتك
لم تنتظر حتى أن تستمع الى الاجابة بل أقفلت الخط ، لعن مئات المرات في غضب ، لكنه لاحظ أن ابنته قد اتصلت الى نفس الرقم مرتين من قبل ، من حسن حظه أنه قام بجعل الهاتف يسجل المكالمات احتياطا ، سمع أخر مكالمتين ، و هنا استشاط غضبا على فعلة ابنته ، و اكتشف أيضا أن ليلة قد علمت بأمر ابنته ، لم يمتلك الجرأة أن يغضب منها ، فحتى لو كانت هي من أمرت والدتها بفعل ذلك ، فهذا الجزاء من جنس عمله ، و كما أنه يعلم جيدا أن ليلة ليست فتاة مؤذية و كل ما طلبته هو أن تهربها ، تفاجأ من نفسه و من عقليته تلك ، بل و تفاجأ من هدوئه الشديد و عدم ثورانه على كل شيء ، ربما في النهاية تعلم شيئا من كل ما حدث ، جلس على ذلك السرير واضعا يده بين رأسه ، اقتربت منه كاميلا و هي تسأله : هل عرفت مكانها ؟
هز رأسه موافقا ، وقال باقتضاب و هو يغادر : غدا سوف تعود اليك ....
في طريقه الى البيت ، تحدث مع محاميه و قال له بنبرة خالية من الحياة : أريدك أن تجهز أوراق طلاقي انا ... انا و زوجتي ...
---------------------------------------
كانت ليلا تراقب المدخل الرئيسي ، و قلبها يخفق بقوة ، رأت سيارته تعبر البوابة ، و شعرت بقليل من الطمأنينة و هي تراه يدخل الى القصر ، في تلك اللحظة فكرت في المرات التي رأته يدخل ، كم مرة شعرت بالسعادة لعودته الى البيت ، رغم أنه كان أمرا عاديا الا أنه كان يبعث في قلبها أمانا كبيرا ، على قدر ما حاربت مشاعرها الا أنها لازلت تكن له الكثير منها ، لم تجرب الأمان الا بين احضانه و لم تعرف الحب الا في افعاله و أقواله ، هل تشفع له في قلبها بعد ما كل ما حدث أم انها تعلقت به فقط ، دقائق و وجدته يعود الى غرفتها ، كانت هيئته غريبة للغاية ، و عينيه محمرتين ، هل كان يبكي ؟ هذا ما طرحت هي على نفسها ، كانت ينظر اليها بانكسار شديد ، اقترب منها و جلس على أحد الأرائك مقابلا لها ، رأها واقفة بملامح جامدة عاقدة ذراعيها كأنها تنتظر أن يقول شيئا ، ابتسم على منظرها ذلك ، لأنه يعلم أنه سوف يفقده قريبا ، رطب شفتيه و قال بنبرة مهتزة :
- لقد وقعت في حبك
قطبت حاجبيها في استغراب و ارخت ذرعيها بجانبها و نظرت اليه باستغراب و كان أول ما خطر برأسها هو : هل انت ثمل ؟
نهض من مكانه و اقترب منها و ملامحه قد قست و هو يصرخ بها بكل ذرة قوة في جسده :
- أتدركين معنى أن ينحني لكي قلب لم يعرف طعم المشاعر منذ سنين طوال ، أتدركين أن يتنزل كبريائي و غروري لامرأة لم أقضي في جنتها سوى أسبوع ... فلما لا ننهي هذا الأمر ، و أخبرك حقيقتي ..
جحظت عيناها بقوة من وقع صدمتها كلامه ذلك ، لم تره في هذه الحالة من قبل و كأن كل اسوار قوته قد انهارت و ما بقي الا رماد ..
نظرت اليه بارتباك شديد ، كان رجلا أخر من يتحدث رجلا لم تره من قبل ، لم يكن رجل المافيا الذي استأجرها و لا الوحش الذي انتقم منها ، كأنه شاب طائش يحاول ايجاد كلمات للتعبير عن مشاعره ، وجدت نفسها تجلس أمامه ، نظراتها كانت مزيجا من التخوف و الدهشة لكنها بالتأكيد تود أن تعرف ما الذي يحمله هذا الرجل في قلبه ...
نظر اليه باستسلام و خنوع شديد ، فهو يعلم أنها لن تستسلم حتى تأخد حريتها ، لذلك قرر منحها اياها ،يدرك أنه لا حق له أن يجبرها على حياة لا تريدها ، يكفيه ما عانته بسببه ، زفر بألم و أغمض عينيه بألم قائل بنبرة هائمة : التقينا انا و كاميلا في الجامعة ، جمعني بها الرسم اكثر من الحب ، كنت في بداية شبابي و كانت هي المرأة الأولى في حياتي ، و فجأة أصبحت حاملا و ربطتنا ليلا ببعضنا البعض ، كانت كاميلا فنانة ، و الفنان يجب ان يعيش حرا طليقا حتى يبدع ادرك ذلك لأنني أحبتت الرسم يوما ، لكنني حبستها بجانبي فقد كان عليا أن أتولى عمل العائلة ، بعدها أتت ابنتي الى العالم ، و أصبحت هي عالمي ، ازدادت الفجوة بيني و بين كاميلا ، كانت مكتئبة بشكل رهيب ، كنت خائفا من أن تنهي حياتها ، لم اكن اريد لابنتي أن تفقد امها و في احد الأيام طلبت مني ان تسافر ، وافقت لأنني كنت أحس بنوع من الذنب على حرمانها من حريتها ، سافرت هي و ابنتي ، في الرحلة لفتت ليلا نظر عصابة ما عصابة متخصصة في خطف الأطفال على ما يبدوا ، و خططوا لاختطافها لكنه احسوا من الحراسة المرافقة لهم ، ان الفتاة مهمة لذلك قاموا بتزييف حادث السيارة حتى لا يبحث اهل الفتاة عنها ، كاميلا اصيبت بانهيار عصبي نظرا لحالتها النفسية المسبقة و استدعى أن تدخل الى المستشفى ، و انا خسرت السبب الوحيد الذي كنت مستمرا من أجله ، بعد وفاة ابنتي المفترضة تغير الكثير ، و أظلمت هذه الروح بشدة ، كنت ألوم نفسي بقسوة على ما حدث ، لم استطع مواجهة والدي بما حدث لذلك اختلقت تلك الكذبة التي كنت بطلتها في وقت لاحق ، لمدة عشر سنوات كانت أعيش مثل الوحش الذي عزل نفسه في كهف ، اعلم أن عقابي لكاميلا كان قاسيا لكنه الطريقة الوحيدة كي لا أقتلها كنت احملها فوق طاقتها بلومي لها على موت ابنتنا ، لكن يشاء القدر أن تعود لي ابنتي صدفة بعد أن أتت كخادمة الى هذا البيت ، لم أخبرك بما حدث لأنني حتى مدة قريبة كنت مؤمنا انها ميتة ...
اخد نفسا عميقا و زفر بقوة و هو يطالع عينيها بألم و اردف : اخترقت موضوع السرطان ذلك ، لأنني أردت أن أهرب من مواجهة تلك الذكرى السيئة ، كنت أريد أن اعيش في وهم أنه ليس ذنبي او ذنب كاميلا أن ماريا ماتت ، و كذلك كنت أظن أنك لن تبقي في حياتي هل تعلمين أنني كنت أخاف أن أفقدك منذ الدقيقة الأولى ، الا أني كنت مخطئ فلقد أضحيت كل حياتي ...
لم تجد ليلا ما تقوله بل ظلت صامتة و هي تذرف دموعا ساخنة على ما حدث له ، في لحظة انكسر كل حاجز بنته اتجاهه ، أسترسل في الحديث مجددا بنبرة عادية : أعتقد انك بالفعل تعلمين أن ابنتي حية ، فهي من ساعدتك في الوصول الى والدتك..
انتفض جسد ليلا خوفا و حاولت الدفاع عن نفسها ، فقاطعها قائلا : لن أفعل لك شيئا ، فانا أعلم أنك لست من طلب من والدتك أن تخطف ابنتي ...
شهقت ليلا بعنف و هي تقول بندم : ألا تسأم تلك المرأة من هذه الألاعيب .. انا لم أقصد .. أنا فقط أردت أن اذهب من هنا ...
قاطعها مجددا قائلا : لا بأس ، فحتى لو فعلت ذلك كنت سوف أعذرك ، غايتك تبرر وسيلتك ، لقد تزوجتك في البداية من أجل أن أنتقم ، لكنني وجدت أنني أنتقم من نفسي قبل كل شيء ، الاعتذار لن يقدم و لن يأخر من شيء ، و طلب فرصة تانية لا معنى له فمدام أنك قد فضلت أن تلجأي لأمك التي لا تطقينها من أجل التخلص مني ، غدا سوف تعودين الى والدتك ، و سوف تعود لي ابنتي ...
همست ليلا بضعف و هي تحاول كبح نفسها من البكاء : اذن هي مقايضة ...
أخبرها بنبرة حزينة : ألستي سعيدة ؟، سوف تتخلصين مني الى الأبد الأن ، لقد طلبت من المحامي أن يبدأ في اجراءات الطلاق أيضا، ستة أشهر و سوف تصبحين امرأة حرة ، سوف ارسل لك الأوراق ...
لم تجد ما تقوله سوى السكوت ، ودت لو صرخت بأعلى صوتها ، بانها تحبه أيضا ، بل هي تعشقه رغم كل شيء ، لكن صوتها اختفى و تلاشى بعد أن علمت أنه لن يحصل على ابنته اذا لم يسلمها ، هذه المرة أيضا سوف تضحي من أجل سعادته ، من أجل أن يكون مع ابنته ، فقد كسر قلبها كثيرا بعد علمت الحقيقة ...
قال بنبرة مهتزة : غدا سوف سوف ارجعكي الى والدتك .. و ينتهي كل شيء ...
هزت رأسها موافقة ، و قالت : ماذا عن أبي ؟
أجاب برفق و هو يتأمل ملامحها : يمكنه متابعة علاجه بصورة عادية ، لن أوذيه لا تخافي ..
قالت بنبرة واثقة : أعلم انك لن تفعل ...
كاد يقول شيئا لكن صوت هاتفه قد ارتفع مجددا ، رد عليه سريعا فقد كان ذلك ألكس يخبره بميعاد التبديل بين ليلة و ماريا ، أجابه أدم باقتضاب ، و أقفل الخط ، أخبرها بضيق و هو يخرج من الغرفة واضعا تلك الورقتين الللتين تحملان رسمتها و ما كتبه عنها : غدا الساعة السادسة صباحا ، جهزي نفسك ...
قبل ان يهم بالخروج قال لها : قبل أن أذهب بقي أن أخبرك لماذا فعلت ماريا ذلك بك ، بالمناسبة ان لم تكوني تعلمين فقد تغير اسمها من ليلة الى ماريا ، فأنا أعتقد انها تتمنى أن تعود عائلتها الصغيرة مجددا ، لكن ذلك لن يحدث حتى لو ...
تردد في نطق تلك الكلمة لكنه قالها : حتى لو طلقتك ، لن تحل امرأة مكانك في قلبي ..
خرج هاربا منها ، بل هاربا من ضعفه الذي لم تختبره قط مع امرأة ، مضت ليلة لم يذق فيها أي أحد طعم النوم ، فليلا كانت في موقف لا تحسد عليه ، فقد وضعين بين نارين ، نار قلبها و نار ضميرها و نحن نعلم جيدا من انتصر ، فهي تكره أن تكون سبب في تعاسة الرجل الذي ضحت من أجله كثيرا خاصة اذا تعلم الأمر بأقرب الأشخاص اليه، ضمت تلك الرسمة و كلماته الى قلبها فذلك كل ما بقي لها منه ...
امسكت تلك الأوراق بيدين مرتجفتين ، طالعتهما بحب شديد ...
لقد رسمها و هي نائمة في القطار ، لقد خلد واحدة من أجمل ذكرياتها معه ...
تتذكر كم كان سليط اللسان ، لكن حنون بطريقة لم تعهد من قبل ، و هي التي لم تذق من الحياة الا قسوتها و حرمانها ...
كلماته عنها تجعل روحها ترفرف ، لماذا كان عليه أن يعذبها هكذا ، بأن يترك لها ما يذكرها به ، الا يكفيه ذكرياتهما التي سوف تطاردها إلى اخر نفس في حياتها ، الا يكفيه أن ظله سوف يرافقها الى الأبد و الأن يمنحها قطعة منه كي يظل خالدا في قلبها ..
لقد رأت الغصة التي في قلبه على ابنته منذ عرفته ، و بالتأكيد لن تضع نفسها في مقارنة معها حتى تعرف أنه سوف يختار ابنته التي حرم منها عشر سنوات ..
ركعت على قدميها و هي تضم تلك الأوراق الى صدرها وكأنها تود أن تحفظهم بين أضلعها ....
أما هو فتشهد كمية السجائر التي استهلكها على مدى غضبه و حزنه على فراقها ، كان يود لو قالت فقط أنها تود البقاء كان ليفعل المستحيل ، و يجعلها تبقى لكنه كان يعلم أنها لم تكن له منذ البداية ، و عليه الأن يستسلم لهذه الحقيقة ...
كان يعلم أن نهاية مثل هذه سوف تحل بهما، لم يعتد أن تعامله الحياة بكرم ، لطالما قاسية معه ، تحرمه من كل ما يريد ، حرمته من الحياة التي يريدها ، و حرمته من ابنته عشر سنوات ، و حرمته من عائلته كلها ، و الأن تحرمه من حب حياته ...
تجرع ما في كأسه دفعة واحدة عل رأسه يتوقف عن التفكير ، عل الألم الذي في صدره يتوقف ...
************************
في تمام الساعة السادسة ، كان أدم يقف عند باب القصر منتظرا اياها ، كانت ترتدي قميصا قصيرا و بنطلون ، كذلك الذي سافرت به معها ، تأملها قليلا و مازحها بألم شديد قائلا : ألم تجدي شيئا أقصر من هذا ؟
و كأن كلماته أصابتها في مقتل ، و كأنها أحيت جراحا غائرة في جسدها ، ردت عليه و هي تحاول أن تمسك نفسها من الانهيار بكاءا : ان لم يعجبك يمكنني خلعه ..
ابتسم كلاهما ابتسامة تدل على عجزهما الكامل عن الوضعية التي وضعا فيها ، فتح لها الباب اقتربت منه و همست : شكرا
همهم بشيء لم تسمعه ، ركبت و أقفل الباب ورائها ، رأته و هو يركب بجانبها و ينطلق بالسيارة ، قال بصوت أجش : هذه هي النهاية، سوف أحول لك ضعف المبلغ الذي اتفقنا عليه ، اضافة أنك سوف تأخدين نصف ثروتي عند الطلاق ..
قالت بصوت مبحوح : لا أريد شيئا ، تلك الأموال هي حق لابنتك ، هي من يجب عليها أن تتمتع بها ...
ألمه أنها بالنقاء الذي يجعلها تفكر حتى بابنته بعد كل شيء ، لم يجد ما يقوله ، ليشير بيده الى درج السيارة : افتحيه يوجد به شيء لك ...
فتحته و وجدت به علبة جميلة الشكل من المخمل ، فتحتها لتجد بها قلادة مكتوب بها "ليلتي"
نظرت اليه ليقول لها و قد تجمعت الدموع في عينيه : أنت ليلتي و كل الليال التي بعمري يا ليلا ، احتفظي بها ربما يجمعنا القدر مرة أخرى
أحست بأن روحها تكاد تفارق جسدها ، لتقول له بأمل : لم أعتقد يوما أن القدر سوف يجمعني برجل مثلك ، لكني الأن مؤمنة بأنه سوف يجمعنا مرة أخرى
كان يود أن يواصلا حديثهما لكنها وصلا الى المكان المحدد ، و وجد مايكل ينتظره و معه ماريا التي كانت تبكي بحرقة شديدة فرغم شخصيتها القوية الا أنها لازال مراهقة متهورة فقط ، نزلت ليلة بهدوء مع أدم ، وقف كلاهما مقابلا لكل من مايكل و ماريا ،صرخ به مايكل : أطرق سراح الفتاة ، وسوف نطلق سراح ابنتك
نظرت ليلة لأدم للمرة الأخيرة ، و بادلها هو النظرات لم تمنع نفسها و قبلته بخفة ، و همست له و دموعها تنهمر : أحبك ..
لم تنتظر رده و انطلقت افي اتجاه مايكل الذي قام برمي ماريا في احضان أدم ، احتضن أدم ابنته بقوة و هو يهدئها بينما ظل نظره معلقا نحو ليلة التي ركبت في سيارة مايكل ، أراد أن تذهب وراء تلك الساحرة الصغيرة ، و تعيد اليه أيضا لكن هذا الوضع لن يسمح بذلك ، لكن في تلك اللحظة ولد لديه أمل في أن هناك لحظة ما في المستقبل سوف تجمعهما و لن يستسلم حتى يحقق ذلك ....
في الشهور التي تلت ذلك ، كان الوضع صعبا للغاية مع ماريا التي لم تكن مقتنعة بالمرة بأن ما فعلته خاطئ ، بل اضطر أدم لوضعها تحت عناية مختص نفسي ، اضافة الى متابعته لها هو شخصيا ، و محاولة اقناعها أنه لن يعود الى كاميلا ، لكنها و طليقته سوف يكونان صديقين بالتأكيد ، وسوف يكونان هناك من أجلها في أي وقت
كانت ماريا صعبة المراس للغاية في التعامل ، عشر سنوات قضتها بين الذئاب البشرية ليست بمدة هينة لكنها مع الوقت بدأت تلين و بدأت تتعالج من صدمات طفولتها ، أو بالأصح مما حرم عليها طفولتها
تطلب الأمر منه أن ينشغل بقوة عن حبيبته ، الا انها كانت تسكن في قلبه مثل الصلاة ، كما أنه هذه المرة يود أن يتخلص من كل ما يهدد حياته الجديدة معها ، يريد بداية حقيقية معها ، بداية لا نهاية لها ...
------------
بعد سنتين
كانت ماريا تستعد لعيد ميلادها الثامن عشر في قصر والدها أمام المرأة التي البهو ، رأت ذلك الذي يراقبها من بعيد ، لتصرخ به : تعال والدي ليس هنا ...
قال ألكس بقلة حيلة و هو يقترب : ليست فكرة جيدة بالمرة أن أراكي هنا ، هناك حفلة في الخارج و الناس بدأوا يتوافدون و والدك قد يراني ..
حاوطت ذراعيها حول عنقه : لا يهمني ، ثم أنه عيد ميلادي الثامن عاشر ، و أصبحت امرأة مستقلة بذاتها و سوف نتحدث مع أبي ، لقد سأمت من حبك في الظلام كأنني أفعل خطيئة ما
قبلها بحب قائلا :أنا أيضا لا أحب هذا الوضع ، و أريد أن نكون كأي حبيبن لكن والدك .... حسنا لنأمل ألا يقتلني في وقتها ...
ضحكت ماريا ثم قالت بأمل : أنت لا يهمك ماضيي أليس كذلك ؟
احتضن وجهها بحنان : لو أعطيتني اسم كل عاهر لمسك لرأيتهم جثث معلقة على أبواب قصرك ، لقد كنت طفلة ، لكن ما أود معرفته، لقد تحبيبني فعلا ؟ و أن الأمر ليس بسبب صدمات طفولتك و ابتعادك عن والديك ؟ و ماذا عن فارق العمر أليس كثيرا ؟
أخدت نفسا عميقا و قالت بثقة : لقد تحدثت مع طبيبتي النفسية بشأن هذا ، لقد تعافيت بشكل جيد مما حدث ، و أعتقد أن علاقتي بك لا علاقة لها بها بمشاكلي النفسية ، أنا أحبك أنت يا أبله ثم أنك لست عجوزا لهذه الدرجة ..
قبلها بعمق شديد و همس بين قبلاته : لم أحبك قبلك يا صغيرة ...
************************
تعليقات
إرسال تعليق